أتمنى أن يهتم المخلصون بالتعمّق في التخطيط والخطة، وهذا أمر ليس صعبا ولا يحتاج إلى سنوات، وأنصح بقراءة كتيب صغير بعنوان «تعلم التخطيط في ساعات»، وهو من منشورات معهد الكويت للأبحاث العلمية وموجود على شبكة الانترنت.
وأهمية التخطيط تكمن في أنه يمثل على الأقل خمسين في المائة من المطلوب انجازه لأي عمل، سواء كان لدولة أو مؤسسة أو شركة أو استثمار أو تربية أبناء أو تأليف كتاب أو شراء أرض أو بناء منزل أو رحلة سياحية.. إلخ.
اذا انجزنا بنجاح التخطيط والخطة، فقد أنجزنا خمسين في المائة من العمل المطلوب، أي ان حجم «الجهد العضلي» أي التنفيذي هو خمسون في المائة أو أقل والجهد العلمي العقلي التخطيطي النظري هو خمسون في المائة أو أكثر، ومع هذا كثيرون يتوقعون النجاح في أعمالهم مع أنهم لم يقوموا بالمطلوب منهم في التخطيط، وأحياناً نجدهم دخلوا في التنفيذ بناءً على آراء سريعة أو جهد تخطيطي ضعيف، ولهذا نجد الفشل الاداري والصناعي والسياسي والتعليمي والشخصي.. الخ واضحاً في كثير من المشاريع والأنشطة والأفراد، وأتوقع أن يقول البعض الحمد لله عندنا خطط سنوية، ويقول بعضهم وعندنا أيضاً خطط خمسية، فنحن نخطط، وأقول صدقوني إما أن تخطيطكم غير موجود أو أنه ضعيف، فكم هناك من خطط وهمية أي ليست لديها مكونات ومواصفات الخطط الصحيحة، وكم من هناك من خطط لها مكونات وصفات الخطط الصحيحة، ولكنها خطط خاطئة، أي هي خطط تحدد ما هو مطلوب بدقة من كل ادارة وقسم وحتى فرد، ولكن الأهداف خاطئة أو ليست ذات أولوية، وقد يكون كثير من الأولويات غير موجود في الخطة سواء كانت هذه الأولويات في نقاط الضعف أو عدم استغلال نقاط القوة أو عدم التعامل بجدية مع تهديدات قائمة.
ولنأخذ وزارة الصحة كمثال وهناك أمثلة كثيرة تنطبق على وزارات ومؤسسات، فالتخطيط ليس هو في انشاء مستشفيات جديدة وتشغيلها، فهذا تخطيط جزئي والتخطيط الجيد يتعامل مع تطوير الكوادر الطبية في كل المستشفيات القائمة وتشجيع العمل الجماعي، ويتعامل مع تطوير الاجراءات والسياسات ويتعامل مع تخفيض تكلفة العلاج على الحكومة وعلى الناس ويتعامل مع علاج منابع الأمراض والحوادث.
وأنا هنا لا أقلل من الايجابيات الكثيرة والكبيرة الموجودة في وزارة الصحة، فهي قد تكون أحسن من غيرها بكثير، ولكن أقول ان التخطيط الناجح سيجعلها أفضل بكثير، ولو أخذنا الجامعات كمثال آخر لوجدنا أن التخطيط والخطط لا تتعامل بجدية مع كفاءة الأساتذة فيها ولا مع عدد ونوعية الأبحاث ولا مع تأثيرها على المجتمع وغير ذلك، وأقول بجدية لأن هذه مجالات عمل رئيسية في الجامعات وهذا وضع جعل عدد الجامعات العربية المتميزة قليلا جداً، بالمقاييس العالمية.
ونخطئ اذا اعتقدنا أن كثيرا من مشاكلنا سببه نقص الموارد المالية، بل كثيراً ما يكون السبب هو نقص معرفتنا بالتخطيط ونقص الجهد الذي نبذله في التخطيط وضعف ادارات التخطيط، وهذا ما ضيّع واهدر موارد كبيرة جداً في الوزارات والمؤسسات والحكومات وأعتقد أن ما خسرناه بسبب عدم التخطيط هو أكثر مما خسرناه بسبب الفساد.
10/8/2010, 4:15 am
