متسلقون سياسيون
كتب محمد عبدالمحسن المقاطع :
تشير الدراسات والكتب المتعمقة بشؤون الأمم والدول والشعوب الى حقائق مدونة وثابتة بخصوص أحوال الدول ومراحلها، ومن تلك الأحوال رؤيتك لمظاهر الدولة والنظام وقوة بناء أجهزتها، كونها شواهد لازدهارها وتقدمها واستقرار شؤونها، أو رؤيتك لمظاهر ضعفها وتفكك أجهزتها وشيوع الفوضى في ادارتها وتزايد مظاهر انهيارها، فتطغى الشخصانية على المؤسسات ويصبح المجد الشخصي هو الغاية بدلا من تكريس الدولة، وهكذا تسيير الأمم أو الدول تجاه الانهيار إذا شاعت مظاهر سلبية وممارسات مرضية، ومن نماذج ذلك أن تطفو الى السطح طبقة التسلق السياسي.
واليوم نشهد لدينا ظاهرة مخيفة ومزعجة لطبقة المتسلقين سياسيا على المستويين الرسمي والشعبي، فعلى المستوى الرسمي فإن مجموعة من المسؤولين بمناصب قيادية، بما فيها المنصب الوزاري، يتعيشون كل يوم على التسلق السياسي، فيحشرون أنفسهم للظهور الاعلامي بمناسبة أو بغير مناسبة، حتى لو كان وجودهم في المشهد السياسي لا يعدو أن يكون تكملة للعدد وفي موقع من يقدم القهوة للضيوف، بل إنهم يتحفوننا بتصريحات اعلامية خواء ليس فيها مضمون ولا لها أي مصداقية من تعداد الأعمال وذكر الانجازات الورقية، حتى بلغ الأمر ببعضهم من القول انه تمكن من تحقيق %50 من خطة الدولة الانمائية لوزارته، على الرغم من حداثة اقرارها وعدم تحقيقه لشيء، اللهم الا اذا كان بمراسلات وعلى الورق، الا أن هدفه بكل تأكيد هو التسلق السياسي، كما أن الحرص على زيارة كبار مسؤولي الدولة وتقديم الوفود والتواجد في مراسم الاستقبال والتوديع هو سمتهم الرئيسية في ارضاء شخص المسؤول، حتى تكون له فرصة للقفز السياسي أو الاستمرار في المنصب، بل بلغ الأمر ببعضهم حدا أسوأ من ذلك، وهو أن ينسبوا لأنفسهم أعمال غيرهم من زملائهم أو من العاملين تحت رئاستهم، حتى يحقق حالة التسلق السياسي المقيت.
واذا كان ذلك هو الحال على المستوى الرسمي، فإننا نجد ما يماثله على المستوى الشعبي، فالتيارات والحركات السياسية اليوم تتدافع لقيادتها مجموعة من الأشخاص الذين لا همّ لهم ولا شغل إلا حضور المآدب والمناسبات وتوزيع السلامات والابتسامات والمشاركة في أي طروحات حتى لو كانت «تافهة»، غاية الأمر أن يكون لهم موقع على حساب تيارهم السياسي الذي يتخذونه زينة لتسلقهم، حتى لو كان هذا الموقع شكليا أو اسميا، أو مجرد حضور إعلامي، فليس همّهم دعم مكانة تيارهم السياسي ونجاحه بقدر ما هو تحقيق مآرب شخصية بحتة في التسلق من خلال التيار لمقعد برلماني أو منصب حكومي، وسرعان ما سيكون حاله لهذا التيار وداعا، فقد حققت المراد، ولذا فإن مثل هؤلاء تراهم يسخرون تيارهم من خلال ترتيبات أو صفقات لتحقيق ذلك كله، بل إن أحدهم يحرص على النفاق لزعامات التيار والتقرب اليهم والمديح لهم، حتى تكون له فرصة للقفز والوصول الى مناصب محددة، ولئن بحث أحدنا عن هؤلاء التيارات السياسية المختلفة، فلن يتعب في التعرف إليهم، بل إن هؤلاء يزرعون الفتنة ويقودون التحريض على زملائهم لأن هدفهم شخصي بحت، ولا يخلو تيار سياسي في الكويت من أمثالهم، وسنحاول في المقال القادم أن نشير الى نماذج من هؤلاء، ولا غرابة أن يكون البلد في حالة التردي بسبب التسلق السياسي وهو الحال الذي تعيشه التيارات السياسية أيضا للسبب نفسه.
اللهم إني بلغت،،