بيع الحمير
كتب أمين معرفي :
من النوادر والقصص الرمزية التي يجب أن نأخذ منها العبر، يحكى أنه في سالف العصر والزمان، كان هناك رجل من التجار الأذكياء ذهب إلى قرية من القرى النائية في بلدة تتميز بكثرة الدواب فيها، وبالأخص الحمير، وكانوا يعتمدون عليها في حياتهم اليومية اعتمادا كليا، فعرض على أهلها شراء ما بحوزتهم مقابل عشرين درهما لكل رأس، فطمع الكثير منهم وأعماهم الجشع وباعوا حميرهم نظير هذا المبلغ المرتفع الذي لم يشهده أهل القرية في تاريخهم التجاري، وتبقى عدد منهم لم يرضوا بالبيع، فعاد التاجر في اليوم التالي عارضا السعر الجديد وهو ثلاثون درهما لكل رأس، فباع الآخرون ولم يتبق إلا عدد محدود منهم، فعرض عليهم اربعين درهما لكل رأس، حينها انتهز سكان القرية هذا السعر الخيالي وباعوا ما لديهم، حتى نفدت الحمير من القرية، وعندما اطمأن التاجر إلى أن القرية أصبحت خاوية على عروشها من الحمير عرض عليهم أن يشتري منهم الرأس بسعر جديد وهو مائة درهم، ثم ذهب إلى المدينة ليقضي إجازته فيها.
وفي اليوم التالي أعمى الجشع والطمع أهل القرية فذهبوا يبحثون عن الحمير في القرى المجاورة، ولكن جهودهم باءت بالفشل الذريع، حيث نفدت الكمية فيها، عندها علم التاجر بالأمر، فأرسل أحد عماله إلى القرية وأخبرهم بأنه من مدينة مجاورة ولديه بعض الحمير، وقد علم أن أهل القرية يبحثون عنها، فعرض عليهم أن يبيعهم ما لديه من الاعداد التي بحوزته بسبعين درهما لكل رأس، فقبل أهل القرية بذلك، فأخذ كل واحد منهم يبيع مدخراته وما لديه، بل قاموا بالاستدانة من البنك لتغطية المبلغ المطلوب لدرجة أن البنك قام بإقراضهم كل السيولة والاحتياطي من المبالغ التي لديه، كل ذلك من أجل المكسب السريع والسهل دون أن يبذلوا أي جهد للحصول على الربح الفاحش دون النظر إلى العواقب، ولكن بعد أن تم جمع المال قام أهل القرية بشراء ما بحوزة الرجل من الحمير بالسعر المطلوب وهم فرحون بتحقيق ربح خيالي، أخذوا يبحثون عن الرجل التاجر السابق الذي اشترى منهم حميرهم فلم يجدوا له أثرا!
وتمر الأيام ويحين موعد سداد الديون للبنك، وأهل القرية عاجزون عن سدادها، وأفلس البنك وأصبح لدى أهل القرية الكثير من الحمير التي لا تساوي حتى ربع قيمة الديون التي استدانوها، فضلا عن الفوائد على أصل الدين، لقد أفلس البنك وضاعت القرية رغم وجود الدواب، وانقلبت حال الناس بين مسجون وطريد للعدالة، وأصبح مال القرية والبنك في جيب التاجر الذكي، ولم يجد أهل القرية الجشعون قوت يومهم، وأصبحوا ينادون بإيجاد حل عاجل للديون، لأنها أتت على الأخضر واليابس وزاد التنافر والتناحر بينهم حتى اشتعل فتيل الفتنة بينهم وخرجوا للطرقات وأصبحت القرية في خبر كان.. وبين الحمير والقروض ضاعت بيزاتهم!