الصّعاليك الجُدد!
كتب أمين معرفي :
الصعلوك هو من لا يملك شيئاً، ولا يستطيع تأمين قوت يومه الا بالطرق غير السوية والملتوية والمتعرجة، ويطلق هذا المسمى على قُطّاع الطرق أيضاً.
وأقام الصعاليك في العصر الجاهلي مجتمعاً خاصاً بهم عُرف بهذا الاسم، وأصبح له شعراؤه وزعماؤه، وجعلوا شعارهم التشرد والغزو وقطع الطريق على الأغنياء، ونهب أموالهم وإعطاءها للفقراء. وهو الجانب المتمرد على أوضاع المجتمع وتقاليده. وحملوا السيف لاعادة التوازن الاجتماعي الى الحياة، التي خلت من الموازين والمقاييس في بيئة كان الفقر المدقع فيها يقتل البعض من الجوع، ويوقع بالأغنياء من التخمة. ولم يكن الصعلوك يرضى عن واقعه الذي يعيشه لأنه مزر، فهو لا ينام كالبشر، ويكتفي بالنوم على الحصى بدل الفراش، ويظل يبحث عن قوت يومه في أماكن ذبح الإبل. ومع هذا لم يمنعه البؤس عن عمل الخير ومساعدة الناس، خاصة النساء، كما يروى عنهم. وكان من طباعهم الحسد والنميمة والكراهية والبغضاء للطبقة الراقية في المجتمع، كالحكام ومن حولهم من ع.لية القوم. ولكونه لا يقدر على النيل من الحكام أو حتى التقرب منهم فكان يصب جام حقده وشره وغضبه على المقربين منه، عساه ينال من بعض خيراتهم التي تفضل بها الحاكم عليهم ثمناً لسكوته عنهم. ولكي يتجنب هؤلاء ويأمنوا شره كانوا يجزلون له العطايا والهدايا.
أما في العصر الحديث، ومع دخول العولمة، فقد تغيرت حال الصعاليك مع اختلاف فئاتهم وتوجهاتهم، وأصبحوا أوفر حظًّا من اقرانهم في الجاهلية، فغدوا متعلمين ومثقفين يعرفون الكثير، وتبحروا في تاريخ الأمم والشعوب والملل والطوائف، ويوظفونها لمصلحتهم من خلال وسائل التكنولوجيا الحديثة بصنوفها المختلفة، ابتداءً بالمايكروفونات التي يلعلعون فيها على القنوات الفضائية، ومروراً بالمسجات، وانتهاءً بالايميلات على الشبكة العنكبوتية التي يستخدمونها بطريقة مثلى لا يهدفون منها الى التثقيف ونشر المعرفة، لأنها آخر أهدافهم، ولكن لتحقيق الهدف المنشود الذي تصعلكوا من أجله، لاستغلال الأحداث والروايات على مر الزمن من أجل تسخيرها وتوظيفها للنيل من الشرفاء على الساحة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في مجتمعاتهم، بالافتراء عليهم بما ليس فيهم. جُلّ اهتمامهم هو الابتزاز لملء جيوبهم، اعتقاداً منهم بأخذ نصيبهم من المال العام الذي حرموا منه لفترة طويلة من الزمن، بعد أن كانوا مهمّشين ولم يكونوا أصحاب حظوة في بلاد الحكام. وقد آن الأوان أن يكونوا من المقربين للمشاركة في نيل حصتهم، كما يفعل غيرهم، مستغلين وضعهم الجديد الذي يوفر لهم الحماية، لذا نجدهم بمناسبة ومن دونها يطلون علينا ليتحفونا بمعسول كلامهم من عذب ألسنتهم التي لا تعرف الا السب والقذف والشتيمة لمن يخالفهم في الرأي والفكر والعقيدة، حتى لو كانوا من الحكام، قادرين على تحريك الشارع الغوغائي عندما تتعرض مصالحهم للخطر وتتعرى ممارساتهم، ويكرسون النهج الفئوي في دولة المؤسسات، ويمزقون وحدة المجتمع. والمتابع لهم يجد في كلامهم التملق والرياء والعبث، ويتميزون بثقافة الصراخ، طلباً للشهرة والمجد بعيدين عن مكارم الأخلاق والشهامة والرجولة التي كان يتمتع بها الصعلوك المحترف في الجاهلية.