..
تسمرت لأيام ماضية أمام الــ جزيرة والــ عربية والــ BBC والــ الحرة والــ FRANCE 24 , والـــ مصرية , وموقع المصريون الإلكتروني والــ مصراوي والـــ YOU TUBE وغيرها من مواقع الأخبار والتحليل ..
كنت قبل أن أغسل وجهي أبدأ يومي بلهف وشغف بمعرفة آخر التطورات في ميدان التحرير .. أسمع الأخبار وهي مكررة وأغرق بين التفكيك والتركيب و التحليل والتأمل .. وأسئلة تلتهم الساعات وتحرق الليالي وتغرف الهدوء من صدري غرفاً بلا هوادة ..
أفعل هذا وكأني شربت من ماء النيل أو أن أخوالي من المنصورة أو الأسكندرية .. أو أن أشواقي وتاريخي ينبت في أركان القاهرة أو أن أيام الصبا مني قضيتها في المهندسين أو مدينة نصر .. أو كأن صوتي مكتوب عليه كلمة الأهرام , أو مرسوم عليه نجمة الــــ جيزة وطنطا ومحافظات الصعيد ..
أكلم والدتي وبي ضيقة تسألني عنها فأجيبها : يمه الملايين في مصر المستقبل أمامهم قاتم .. والأمور تسير في نفق بلا ضوء .. والخوف يلتهم السكون والأمل كــ تنين مخيف , وأستفيض مع الغالية في سرد مارأيت في مصر حال دراستي هناك من العيون التي رسا بها الحرمان , والجباه السمر التي حنى الزمن عليها بالقهر والكبت والفقر والجوع .. أكلمها عنهم وعن طيبتهم وأسري مع الأفكار .. وتوقفت نفسي عن كثير من هرطقاتي وثرثراتي وطقوسي وتوقف كل شئ عندي إلا مصر وميدان التحرير وأخبار القاهرة ..
ألتقي بالأصدقاء المصريين وأطمئنهم عن مصر الحبيبة وأنها ولادة جديدة سيرافقها مخاض وأوجاع وربما دماء ولكن سينبلج فجر الحرية والديمقراطية والعهد الجديد الذي لا تموت فيه الأحلام .
شدني مقاطع لفتاة مصرية , بنت الرجال أصيلة أباً عن جد , لم يخالط دماءها عجمة ولا دم عربي من هنا أو هناك .. مصرية خالصة .. مصرية الروح والدم .. قاهرية اللسان , شماء ولا تكفيها هذه الكلمة .. هي الــ بوعزيزي المصري .. دعت الجموع لتنزل ميدان التحرير قبل 25 يناير بيومين .. .. تكلمت ودمعاتها ترسم على محاجرها الصدق والتصميم والعزم والاستعداد للتضحية وبذل المهجة لهذا المبدأ الذي اقتنعت به وآمنت .. وسرى بدمها وكأنها ( ياعرب ) مسحورة بهذه الحرية
نزلت لوحدها قبل هذا الموعد .. ولوحت بالهتاف بصوتها النسائي وماسمعها من أحد , ثم كأنها صممت على الموت أو ركوب الخطر فدعت للــ مظاهرة بميدان التحرير قبل كل أحد وماسجلت الوثائق لأحد قبلها من دعوة وجرأة كعامل رئيس سواها .
قالت أسماء محفوظ للعالم أن المرأة ليست جسد فحسب بل هي عقل وفكر وروح قبل كل شئ , وأن الحجاب لا يعيق المرأة عن المشاركة في الحياة العصرية ولا يمنع يداها من أن تكتب تاريخها وتسطر بعزماتها قوانين الإباء والرجولة يوم أن خارت الشوارب الطويلة .
أخذتني هذه المرأة ( الرجل ) هناك بعيداً إلى أستاذي الدكتور عبدالوهاب المسيري ومحاضراته العابرة للقرون والقارات .. وكتبه التي تعصف بك لتصفق بيدك بحرارة ولو كنت وحدك .. يعلمك الدين ولو كنت حليق الشعر الذي بكل وجهك ويرتقي بك للعمق في كل نص تقرأه ويعلمك الغوص ولايجغرف عقلك بل يفتح المدى أمام الروح والعقل . يحترم عقلك كما لم تشعر بمثل الاحترام من قبل .. ويعاهدك على الوفاء والصدق ويفي بوعده وعهده .. ويمنحك الجديد في عالم الأفكار وتحليلها ونظريات المعرفة واستلهام العبرة من التاريخ .
حاولت أن أربط بينها وبين طرح الدكتور المسيري .. من أين تخرجت هذه الفتاة .. هل تخرجت من مدرسة المسيري ؟ أو من أين جاء الزمن بمثل هذه القامة ذات الظل الطويل ؟ أين مطلع هذه النجمة المستحقة لإنحناءة من مائتين مليون عربي نسمة أو نسخ مكررة من الأوادم ..
قالت وقالت .. كانت وكانت .. عيناها تحكي لك سر اً عن روح تنوء نحو النجم , لتضرب عليها قبابها وتبني منزلها وخباءها , وتتكئ هناك وتنظر للعالم من فوق الشواهق والسوامق التي لا يليق بها إلا هناك ..
وللأسف بسبب نون النسوة التي تملكها لم تمنحها القنوات والإعلام حقها من الاحتفاء واللقاءات بعد تمكن الثورة ونيلها مطالبها .. تاء التأنيث التي تختم بها إسمها منعتهم من أن يعترفوا بأن ( أسماء )هي من صنعت وأسست لثورتهم وتفجرت بعروقها دماء الكرامة والحرية ..
لا أخفيكم جمعت كل القريبات من الأهل والعائلة وشرحت لهم دور أسماء ومبادرتها من غير خوف في صناعة الثورة , ورسم خارطة الطريق للجيل الجديد لينال حقوقه ويسترد أنفاسه المسروقة .. وسؤال على شفا الدهشة مني : ألم تخش من شياطين الــ حبيب العاذلي وأعوانه ؟
إنني هنا أدعو كثير من المثقفين والمفكرين إلى تغيير عدد من المصطلحات , وتحويل المؤنثات إلى مذكرات والمذكرات إلى مؤنثات في لغتنا العربية .
أسماء ..
سلام عليك في العالمين أيتها النجم .