«بغيناها طرب صارت نشب!»

«بغيناها طرب صارت نشب!»
كتب سعود محمد العصفور :



رحل من رحل، ولا أشبه البارحة باليوم أبد اليقين!
من رحل لم يدرك حال من بقي أسير هموم وطن جريح ما زالت جروحه تخلف صديدا عفت النفوس الابية ان تلتفت إليه وتبادره بدواء ناجع كدواء امراض حيوانات نافقة، واخرى حرمت لحومها وشحومها على بني البشر.
إلى أي وجهة نحن نسير؟ وإلى اي مصير نرقب ونترسم؟ وحدتنا الوطنية في اشد الاحوال خطرا، فالتكالب على تصفية الحسابات بات ديدن كل الاتجاهات السياسية والحزبية والفئوية والقبلية، ولم يقنع الجميع بنتائج الديموقراطية، ولا بأقل توابعها، فراح الجميع يجتر مكاسب متوهمة، ويلقي باللوم على الغير في جدال عقيم لا نهاية له.
ديموقراطيتنا زعمنا انها تسير في مخاض الحرية وانها باتت تنضج وتنضج، لكن الواقع المرير، والنظر السديد يقولان ان الطبخة اعيت الطباخ، وباتت ناضجة من غير استواء، وقدمها الطباخ على انها ناضجة، فاستمرأتها بطون الجياع من ابناء الوطن.
الحرية باب كل فضيلة، لكنها ان لم تؤطر بإطار العقل، اضحت رذيلة لا رادع لها، خاصة اننا شرقيون لا تتقبل عقولنا الرأي، والرأي الآخر مهما كانت دوافع صاحب الاطروحة.
شرقيون في ديموقراطيتنا، التي نحاول جهدنا ان نزيفها بقبولنا للرأي المخالف، وبتنا نكذب، ونصدق أكذوبتنا، أبدأ نكذب اننا لحمة واحدة ولا نفقه اننا بعد ان وضعتنا الديموقراطية على محكها اضحينا شذر مذر، وكقول القائل: «بغيناها طرب، صارت نشب».
إن نظرة فاحصة الى واقعنا المجهول يعطينا صورة حقيقية الى ما نحن نسير فيه من تبلد فكري يحاكي جهالة مصير اجيالنا القادمة.
إن ثقافة البشوت، وتقبيل الجباه والانوف لا بد ان تنتهي الى هذا المصير، حتى دواويننا ساهمت هي الآخرى في بذر الشقاق والنفاق بين طوائف المجتمع بعدما كانت ساحات فكرية تسهم في رأب كل صدع.
لم يعد شباب اليوم يقتنع بسقطات الماضي في اختراق القوانين وتعطش رجال المال والاعمال على الاستمرار في النهج ذاته، ولم تعد طروحات الماضي المكرسة لغة مفهومة عند من يرجو رفعة الوطن وتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية.
وفي خضم هذا البحر المتلاطم لا بد من وقفة لعقلاء القوم لفهم واقع اليوم في ضرورة تطبيق القانون على الجميع لفرض الاحترام في يقين الرضا، وليس بفرضه قسرا دون عدالة في ازالة المخالفات الجسيمة التي ما زالت تنتهك.


كاتب جريدة القبس الكويتية...