كيف نصبح مجتمعا حضاريا؟

عضو جديد

كيف نصبح مجتمعا حضاريا؟

كتب آمال عربيد :

أولاً يجب أن نعترف بأننا من بلدان العالم الثالث أو الرابع أو في الحقبة المتطورة من العصر المتأخر! عندها نعي عقم مشكلتنا، وان بيننا وبين التطور جبلاً صخرياً مغطى بالثلوج. إذا اقتنعتم بما نحن عليه، تعالوا نبحث أسباب تخلفنا، ولماذا لا نستطيع أن نتقدم بأي حال من الأحوال؟
أجمع علماء التاريخ والسياسة والاجتماع على أن أي نمو حضاري لأي مجتمع يجب أن يسبقه التخطيط حتى يتقدم، ويجب أن يملك الإرادة الواعية لتحقيق حريته، ويشعر بوجوب النهوض والنمو والتطور، وبألا تساق إليه الأيديولوجيات ليعتنقها ويطبقها ويصبح رهيناً لأنظمتها، لأن كل عقيدة أو فكر أو فلسفة أو أيديولوجية نشأت من ثورة مجتمع ما، ولا تطبق في أغلب الأحيان إلا على مجتمع له الأسباب نفسها، لذا على كل مجتمع أن يكون له نمو سياسي واع لمشاكله، ليستطيع أن يسن لها القوانين التي تواكب تطوره ومعتقداته، وبهذا نصل إلى قناعة ضرورة تثقيف الشعوب سياسياً، كما نثقفها بالعلوم الأدبية والعلمية والدينية، وبما ان النمو السياسي الحقيقي يحتاج إلى أهم الأهداف، وهي السلم والحرية والعدالة، وهذا ما يملكه العالم الحديث المتقدم، ويجعلنا في تخلف عنه، خصوصا منطقتنا العربية المتخصصة في خنق الحريات في مهدها، وليس السبب الوحيد تخلف أنظمتها التي أنشأها الاستعمار، ولكن تخلف فكرنا العربي الذي يستورد أيديولوجيات لا تتوافق مع مجتمعاته مهما عدلها! لذا علينا أن نفكر بواقعنا الآن، وكيف نصلح ما نستطيع إصلاحه قبل فوات الأوان، وتصبح بلادنا مرتعاً لصراع الدول العظمى لضمنا في ركابها أو تقسيمنا، وعندما نستوعب أن العالم الحديث هو الأكثر تطوراً من كل مجتمعات العصور السابقة وأكثرها تعقيداً، وعلينا اختيار الانضمام إليه بكل مراحل تطوره من دون أن نجتزئ منه ما يناسبنا (نستورد تقنياته) ونترك الأسس الحضارية للتقدم، مثل الذي يتدفأ على مدفأة كهربائية في الأسكيمو.
كيف نتأهل لعملية الاختيار الحضاري؟ بالعمل على استقراء لوجهات الاختلاف بين عالمنا المتأخر والعالم المتقدم! سيسألني أحدكم كيف يكون اختيارنا حضارياً، ونحن لا نتخلى عن قوميتنا وشريعتنا الدينية وعقائدنا، وأحزابنا المتعددة والمتغايرة، وقيادات أنظمتنا المتخلفة والمتشبثة بالحكم منذ عقود؟ أقول ببساطة ومن دون أي تضليل! إننا نستطيع أن نتعايش بكل هذه الاتجاهات والتناقضات وضمن البلد الواحد، ان كان لدى شعوبنا الثقافة السياسية والوعي الإرادي لنزعة التحرر والتطور ومعرفة حقوقها وصيانتها بالقوانين! انظروا تركيا التي فصلت الدين عن الدولة، وهي على أبواب العالم الحديث، والهند المتعددة الديانات والقوميات وهي تنافس الآن الدول المتقدمة بصناعتها ونظامها الديموقراطي.
إذاً علينا أن نختار بين الحضارة العصرية والتقليدية، ولنعمل أولاً على التثقيف السياسي الواعي لنصل إلى مرحلة التفكر في الاختيار، عندها من الممكن أن تحصل إحدى العجائب الكبرى، ونتطور فكرياً بملء إرادتنا.. ولا عودة إلى الوراء!