التفكير: هل له حدود؟حدود التفكير
تأليف محمد العولقي
الكلام عن حدود التفكير يثير ردود فعل متباينة بين طرفين شديدي التباين. طرف يرى أن التفكير يجب أن يكون مطلق الحدود، وطرف آخر يرى وضع القيود والحدود الضيقة التي تحجم نطاق التفكير بشكل لا يبقي مجالا للتفكير.
دعونا " نفكر" في هذه النقطة بشيء من التجرد وبعيدا عن التحفز والحماس وإلقاء الأحكام المسبقة والجزافية والتي لن تفيد في تقدمنا في الوصول إلى رأي سديد.
قاعدة
إبتداء لابد أن نحسن الظن في كلا طرفي الحوار في مسألة حدود التفكير. فالقائلون بإطلاق التفكير بدون حدود ولا قيود ينطلقون من أن هذا حق للإنسان، أن يستخدم عقله كما يشاء، كما أن إطلاق التفكير يهدف إلى التعرف على كل ما يمكن أن يكون فيه فائدة للإنسان. الطرف الآخر بالمقابل ينطلق من حرصه على حفظ الإنسان من الوقوع في مخاطر الخوض في مجاهل لا قبل له بها ومخاطر ضياع الجهد والوقت في البحث في مسائل لا قبل له بها.
بناء على هذه القاعدة من حسن الظن دعونا نبدأ خوض غمار هذه المسألة الشائكة. ولنبدأ بسؤال أولي، ما هي قنوات اتصال العقل بالعالم المحيط به؟ كيف يدرك العقل العالم؟
نوافذ العقل على العالم
لعل غالبية الناس يتفقون هنا على اتصال العقل بالعالم من خلال الحواس. السمع والبصر واللمس والذوق والشم. من خلال البصر يدرك العقل صورة العالم ويخزن هذه الصورة بشكل ما بحيث يستطيع أن يسترجعها من خلال الخيال حتى في حال عدم وجودها أمامه. وهكذا بقية الحواس تدرك عناصر مختلفة من هذا العالم. وهنا يثور سؤال منطقي. هل لهذه الحواس حدود. والجواب بالطبع نعم. فالبصر يستطيع إدراك الطيف المرئي والتي تشكل مدى صغيرا من طيف الموجات الضوئية. وهنالك طيف واسع من الموجات الضوئية التي لا تستطيع العين رؤيتها وبالتالي لا يستطيع العقل إدراكها. ومنها على سبيل المثال الموجات تحت الحمراء والموجات فوق البنفسجية. فمن الموجات تحت الحمراء، الحرارة التي ندركها من خلال حاسة اللمس. حيث نحس بالحرارة ولا نراها. إذن نلاحظ هنا تفاوتا في قوة الحواس في الإدراك. وهذا يجعلنا نفترض بأن للعقل حدودا في الإدراك!
تأمل معي في الصورة التالية. إنها ليست صورة متحركة. يمكنك التأكد من ذلك بطباعتها على ورقة والتأمل فيها. تبدو هذه الصورة للناظر فيها وكأنها متحركة. وكأن هذه الحلاقات نواعير في مجرى نهر جاري يحركها التيار معه. ولكنها في الواقع صورة ثابتة لا حركة فيها. ركز بصرك في نقطة من النقاط السوداء التي تتوسط الدوائر، عند ذلك تثبت الدائرة التي تركز في وسطها، وبمجرد أن تحول تركيزك إلى نقطة في دائرة أخرى تبدأ الدائرة السابقة في الدوران!!
خداع البصر
ما رأيته في الصورة السابقة لا يمت إلى السحر بصلة. إنه عين الحقيقة. وهذا بالنظر إلى حاسة البصر فقط. وهو نوع من الحدود التي تجعل العقل لا يدرك حقيقة الصورة التي أمامه، بل يراها بشكل مخالف لحقيقتها. إذا كان هذا حال العقل مع مثل هذه الصورة فما الذي يجعلنا على ثقة مطلقة بما يراه.
ما الذي يجعلك على ثقة بأن التفاحة حمراء، وكروية؟ ألا يمكن أن تكون وقعت ضحية لخداع بصر صور لك التفاحة باللون الأحمر بينما هي سوداء وفي نفس الوقت صور شكلها كرويا بينما هي ربما تكون مكعبة الشكل. ملمسها ناعم جدا عندما تمرر يدك عليها بينما هي ذاتها بالنسبة للكائن الوحيد الخلية الذي ربما يعيش على سطحها جسم مليء بالتجاعيد والحفر العميقة والجبال الشاهقة.
ما هي الحقيقة : فيديو YouTube
ظاهرة غير مفهومة
ما الذي يجعل صوت الانفجارات وهدير الرياح وزمجرة الرعد وقصف الصواعق مخيفا وصوت تغريد العصافير وخرير المياه عذبا؟! ألا يمكن أن نكون ضحية خداع سمعي ترسخ في عقولنا وتوارثته الأجيال نتيجة تجاربها مع تلك الظواعر الطبيعية.
إن ما يدركه العقل من الواقع لا يتعدى تصوره لذلك الواقع! أما حقيقة ذلك الواقع فشيء مختلف تماما. بينما أنت لا ترى شيئا في الليل الحالك تطير البومة على ضوء الأشعة تحت الحمراء وترى طرائدها وتصطادها بكل يسر وسهولة. إن الظلام الذي يصوره لك عقلك ليس موجودا إلا في خيالك أنت.
الأعلى والأسفل:
الأعلى والأسفل هل هي حقيقة أم مسألة نسبية؟
الصورة التالية توضح جانبا آخر من جوانب الإدراك في العقل وهل هي حقيقة مطلقة أم مسالة نسبية؟ الناظر في الصورة التالية يجزم بأن الصورة هي محض خيال وأنها لا يمكن أن تمت إلى الواقع بصلة. فيكف يمكن لمن هو في الأعلى أن يكون في الأسفل في نفس الوقت؟ وكيف يستطيع الإنسان أن يضع قدميه على السقف ويسير ورأسه مدلى إلى الأسفل؟
ولكن تأمل معي في الحقيقة التالي: أن من يقف على قدمية وراسه إلى الأعلى على ارض الجزيرة العربية هو بالنسبة لمن في الجانب الآخر من الكرة الأرضية، على أرض أمريكا، يضع قدميه على الأرضية السفلى لأمريكا ويسير ورأسه متجه إلى الأسفل! إذن فالصورة المرفقة يمكن أن تكون لأناس يعيشوا على جانبي الكرة الرضية، ولكن المسافة بينهم قلصت لدرجة أصبحوا يرون بعضهم ويدلي أحدهم الحبل للآخر.
العالم ذو الأبعاد الـ 11
دعوني أختم هذه الوحدة بهذه الخلاصة لفيلم خيال علمي. هذه الخلاصة ذكرها لنا أستاذ مادة الرسم على الكمبيوتر في مرحلة البكالوريوس عند تعرضه لشرح كيفية تمثيل الأبعاد الثلاثة على شاشة الكمبيوتر المسطحة. تدور قصة الفيلم حول ثلاثة اصدقاء أثناء دراستهم الجامعية. في أحد المشاهد كان الفتيان الثلاثة يجلسون على طاولة يتوسطهم كتاب الفيزياء وهم يتدارسون نظرية الأوتار الفائقة. تفترض هذه النظرية أننا نعيش في عالم ذي 11 بعدا 11D وليس 3 ابعاد 3D فقط كما هو المشهور.
نظرية الأوتار الفائقة من النظريات المعروفة لدى علماء الفيزياء ولها معادلاتها الرياضية التي تثبت وجود هذه الأبعاد الأحد عشر. دعونا نعود إلى الفتيان الثلاثة، بينما هم يحاصرون الكتاب على الطاولة وإذا بمخلوق غريب يتمثل على الطاولة بينهم فجأة. ارتبكوا في البداية وابتعدوا عن الطاولة، بعد ذلك بدأوا محاولة الإمساك بذلك المخلوق، ولكن الغريب أنه كان يختفي وكأنما كان جسمه يتلاشى ثم يظهر فجأة في مكان آخر بعيدا عن أيديهم. فمرة فوق دولاب الملابس وتارة تحت الكرسي وأخرى فوق السرير.
انتحى أحد الطلاب الثلاثة جانبا مع كتاب الفيزياء وعكف على الكتاب يقرأه بينما زميليه مازالا يحولان الإمساك بذلك المخلوق العجيب! يخرج بعد ذلك إلى معمل الفيزياء ويجري بعض التجارب ويعود لدراسة بعض المعادلات الرياضية. تستمر أحداث الفيلم على هذا النحو، الخلوق الغريب يظهر من وقت لآخر، وواحد من الطلاب الثلاثة يتنقل بين نظرية الأوتار الفائقة ومعمل الفيزياء وحسابات الرياضيات.
وفي أحد الأيام ودون سابق إنذار وبينما كان زميليه يلعبان مع ذلك المخلوق أمسك الطالب الثالث بجهاز أحضره معه من معمل الفيزياء قام بتشغيله وتفاجأ زميليه أنه قد اختفى عن ناظريهما! ثم بعد لحظات لاحظا علامات الدهشة على ملامح المخلوق الذي دوخهم على مدار الأيام الماضية. تحولت فيما بعد إلى علامات الخوف، ثم وقع في الفخ ووقع مقيدا. ثم ظهر زميلهما الثالث مجددا. هل عرفتم ما الذي حدث؟
لقد عكف الطالب الثالث على نظرية الأوتار الفائقة حتى فهمها واستطاع تصميم جهاز يمكن أن ينقل الإنسان من البعد الثالث إلى الرابع. ولكن هذا لا يكفي للقبض على المخلوق فلو انتقلنا إلى البعد الرابع نصبح في مستوى واحد مع ذلك المخلوق، فحتى نضعه في نفس مستوى الدهشة والخوف الذي كنا فيه لا بد ان ننتقل إلى البعد الخامس بحيث نراه ولا يرانا حيث أنه مخلوق يعيش في عالم رباعي الأبعاد، فإذا نزل إلى الأبعاد الثلاثة رأيناه فإذا حاولنا الإمساك به هرب إلى البعد الرابع. وهذا ما فعله الطالب الثالث، حيث انتقل إلى البعد الخامس وقام بالتلاعب بذلك المخلوق كما كان يتلاعب بهم ثم قام بالإمساك به في النهاية!
هذه القصة تمثل خيالا علميا ولكنه خيال مثبت بالبراهين والحجج العلمية فيزيائيا ورياضيا. فنحن نعيش في عالم ذي 11 بعدا ولكننا مزودين بعقول لا تستطيع إدراك سوى 3 ابعاد! فكم من المخلوقات التي تعيش في البعد الرابع والخامس والـ... لا يعلمها إلا الله!!!