الكويت.. احتفالات أم هستيريا!
ظاهرة غريبة تتكرر كل سنة في هذا الوقت في الكويت، وأقصد بهذا الوقت أواخر كل فبراير، وتحديداً يومي 25 و26، وهما مناسبتان عزيزتان على أبناء الشعب الكويتي؛ أولاهما استقلال الكويت الذي جاء رقمه هذه السنة التاسع والأربعين، والمناسبة الأخرى هي تحرير الكويت بعد احتلال دام سبعة أشهر، وقد كانت ذكراه هذه السنة التاسعة عشرة.
لا غرابة أن تحتفل الشعوب بأيامها المجيدة لتكون لأبنائها عبرة، ولتشحذ هممهم نحو البناء والاعمار، ولتقوي فيهم الروح الوطنية والتمسك بالثوابت التي تشكلت على مر الأيام.
أما أن تكون مثل هذه المناسبات فرصة للفوضى والفلتان والضرب بالقانون عرض الحائط، فهذه تعد بحق من أغرب الظواهر التي لا يصدقها عاقل! وللأسف، فإن الغريب بات في هذه الحال مألوفاً، والشاذ قاعدة!
فما أن يقترب موعد المناسبتين إلا وتتكرر دعوات وزارة الداخلية بالتحذير من التجمهر، والمناشدة بفتح الطرقات لتنساب حركة المرور بشكل سلس. ويبدو أن وزارة الداخلية في الكويت أصبحت مع توالي تلك المناسبتين في العقدين الأخيرين «واقعية»، إذ أخذت تعد العدة لهذين اليومين (والاحتفالات تمتد إلى أكثر من يومين في واقع الأمر).
فتكون «ونشاتها» (سيارات الرفع والسحب) على أتم الاستعداد، وتوزع سيارات نجداتها بكثافة منقطعة النظير مع الدراجات البخارية، إضافة إلى مجموعة كبيرة من سيارات الإسعاف توفرها الصحة.. غير أن كل تلك النداءات والاستعدادات تذهب أدراج الرياح!
فما أن يأتي أصيل الرابع والعشرين من فبراير حتى يخرج آلاف الكويتيين بسياراتهم المزدانة بإعلام الكويت، متجهين إلى شارع الخليج العربي المطل على البحر والممتد من الشويخ، غرب مدينة الكويت العاصمة إلى دوار البدع بمسافة عشرين كيلومترا تقريباً.
والكويتيون هؤلاء ليسوا من المراهقين والمراهقات فقط، بل من الراشدين أيضاً، رجالاً ونساءً، حليقين وملتحين، سافرات ومحجبات ومنقبات على حد سواء! إنهم طيف واسع يمثل كل شرائح الشعب الكويتي.
وتنزل آلاف السيارات إلى شارع الخليج العربي، فتتوقف تقريباً حركتها على امتداد هذا الشارع الطويل، وليت الأمر اقتصر على ذلك؛ ففي جعبة كل سيارة توجد كمية من علب «الرغوة«، التي توفرها الجمعيات التعاونية والمحلات باكراً وبكميات كافية.
حيث ينزل الشباب والشابات والرجال والنساء في بعض الأحيان، ليرشوا تلك الرغوة على بعضهم البعض أو على السيارات المجاورة ومن بداخليها أو فوقها، في مناظر «هستيرية» لا يصدقها إلا من شاهدها. وتلك المشاهد تأخذ حيزاً كبيراً في اليوم الثاني، من تغطيات «اليوميات الكويتية» أو تنقل مباشرة من بعض الفضائيات المحلية.
وأنا على يقين أن هذه الأيام هي الأشق والأعسر على رجال المرور والدوريات، حيث يمكثون في أماكن المسيرات، التي خرجت عن نطاق شارع الخليج العربي لتشمل مناطق عديدة من تلك الأماكن التي يقيم فيها الكويتيون خيام الربيع.
والتي تختلط فيها السيارات رباعية الدفع مع «البوغيات» لتحيل المكان إلى غبار خانق متطاير في السماء، يمكث رجال المرور هؤلاء في تلك الأماكن لضبط الأمن قدر المستطاع، درءاً للمشاجرات وحوادث الدهس التي عادة ما تقع.
ويراعي رجال الأمن والمرور مشاعر المواطنين ويتعاملون معهم بتسامح في هذه المناسبة ومثيلاتها، ويتركون «المحتفلين يستخدمون الرغوة حتى لا تتسبب الوزارة في إثارة الفوضى في حال تشاجر عناصرها مع المحتفلين».
كما صرح العقيد محمد الصبر، مدير إدارة الإعلام في وزارة الداخلية لجريدة «الجريدة» (28/2). غير أن تلك الفوضى ليست بدون ثمن، إذ قتل أحد الأطفال دهساً، وجرح ثلاثة آخرون.
وسجلت 26 مشاجرة، وحررت 3512 مخالفة، وحجزت 71 مركبة و4 دراجات نارية، وتم علاج 143 حالة إعياء، وهذه حصيلة أولية نشرتها الصحف، ولم تظهر الأرقام النهائية.
ومن المألوف لدى الكثير من الكويتيين السفر في مثل هذه المناسبات، وقد شهد مطار الكويت يومي 24 و25 مغادرة أربعين ألف مواطن، تركزت وجهات سفرهم إلى القاهرة وبيروت وعمان ودبي، أما المغادرة عن طريق البر فقد فاقت تلك الأرقام كثيراً، وأغلبهم يتجه إما إلى السعودية أو البحرين.
وقد شهدت أيضاً منافذ الكويت البرية أعداداً هائلة من الأشقاء الخليجيين الذين يزورون الكويت في هذه المناسبة، ويشارك الكثير منهم في أفراح الكويت.
أما غير المألوف، والذي يعد سابقة ولا يمكن أن يحدث إلا في الكويت، فهو ما تنقله لنا جريدة «الوطن» (27/2)، من تكدس هائل للمسافرين القادمين إلى الكويت عند منفذ النويصيب الحدودي مع السعودية (جنوب الكويت) صباح 26 فبراير.
بسبب إضراب موظفي المنفذ احتجاجاً «على أداء عمل ضابط زامهم (نوبتهم)، حيث اتهموه بالعنصرية والتفرقة».
تكتب الوطن قائلة: «إن الموظفين المحتجين عللوا الأمر بكون ضابط الزام أعطى إجازة لثلاثة (موظفين ) وأعطى طبيات (إجازات مرضية) لثلاثة آخرين وجميعهم من نفس قبيلته، وعندما تقدم عدد منهم بنفس هذه الطلبات رفضها».ظواهر غريبة تحدث في المجتمع الكويتي، لا بد لأهل الحل والعقد أن يضعوا علاجاً لها.