سياسة الملاس والجدر
لم ولن أقف في يوم ضد الحريات، لكنني ضد الفوضى والانفلات ومظاهر التفسخ اللاأخلاقي وعدم الإحساس بالمسؤولية، وضد وقوف الدولة بجهاتها المسؤولة عاجزة أمام خطورة مظاهر الانفلات، خاصة الانفلات الأمني، وتدني روح العلاقة بين الوطن والمواطن الى درجة أصبح الوطن يعيش مناسبات يحتفل بها المواطنون بطريقة لا ترقى الى مستوى تلك المناسبات الوطنية الغالية، وبجانب ذلك نلمس سياسة حكومية معظمها يُفسر بسياسة «اللي بالجدر يطلعه الملاس» وبسياسة «دع القرعة ترعى»، وهي التي تسبب خطورة على مستقبل الوطن والأجيال القادمة حتى أخذ بعض الملتزمين الخائفين على هذا الوطن يرددون قول: نحن عايشين على القدرة فقط، ترعانا رعاية الله وحده، وسفينتنا توجهها رياح وتيارات المصالح، وكل ما يردده المسؤولون عن نية الاصلاح تحول إلى اسطوانة مشروخة مملة يعزف عن سمعها السمع فتحولت أوضاعنا من سيئ إلى أسوأ، خاصة في الجانب الأمني والأخلاقي والصحي والتعليمي، وكذلك النسيج الاجتماعي بسبب التلاعب بحياكته، قتل واغتصاب جنسي ومخدرات وسرقات في وضح النهار، ونفوذ الأقوياء من العقاب ظواهر لا يمكن الصبر عليها، فالوطن ليس بشركة مقفلة تملكها فئة معينة، وليس بــ«كريديت كارد» أو معاملة يؤشر عليها المسؤول بكلمة لا مانع، وليس بوليمة يدعى لها الكبار والأصدقاء والمقربون حتى ربينا جيلا لا يعني الوطن له غير قطعة من الأرض لها حدود ولها مسمى وبطاقة مدنية وجواز سفر وجنسية يستفاد منها. كلنا شاهدنا ما حدث أخيرا من مظاهر الاحتفالات الوطنية تصرفات مؤلمة لا تدل على حسن العلاقة ولا حب الوطن، لا ألوم الشباب ولا الشابات في ذلك اليوم، فهناك قاعدة تقول «لولا المربي ما عرفت ربي» فمن الذي أدخل تلك الكونتينرات من تلك المواد الخطرة من ألعاب نارية ورغوة فوم وغيرها مما شاهدنا تجميعه في نقاط التفتيش، وها هي وزارة التجارة تنتظر وزارة الصحة، والداخلية تنتظر وزارة التجارة لاتخاذ إجراء المنع. ماذا فعلت الأجهزة الأمنية التي ضبطت تلك المواد الخطرة من سكاكين وسيوف وبايبات حديد غير دور تجميع بعضها ليدعى الوزير لمشاهدتها، وكالعادة يتصرف الجميع وكأن شيئا لم يكن، وما الفائدة بتحويل الكويت الى مركز مالي والإنسان المواطن معظمه ليس على مستوى إدراك دوره، هل الخطة التنموية بتلك المبالغ الرهيبة ستغير من تدني روح العلاقة بين المواطن والوطن؟ لا أعتقد، وهل سيغير من هذه الروح بناء تلك الجسور المعلقة والمباني وناطحات السحاب الشاهقة الارتفاع والوطن يعيش حالة من الغربة لا يلمس من مواطنيه أو أغلبهم غير أغنية وقصيدة واحتفال يقيمه سفراؤنا في الخارج، وأعلام ملبوسة لا تلامس الأرواح بل الأجساد فيبقى الخوف. إننا كمسؤولين وشعب قد وصل كل منا بتصرف يقول «ماكاري» أو «ليش أعوّر راسي فالشق أكبر من أن يخاط» وهذه مرحلة من مراحل اليأس الخطيرة وعدم الموالاة الحقيقية للأوطان.