ثـلـث ربـّنـا
التقيته صدفة، وبدأ يُحدثني عن زهده في الدنيا، وطمعه في الآخرة، وزوجته المنقبة، حتى أنه إذا التقى إخوانه في المُناسبات، فصل النساء عن الرجال درءاً للشبهات، مما أزعج أمه وحيرها، فهل تجلس مع النساء، أم تجلس مع أولادها، مما جعلها تتهم زوجته بتشتيت شمل العائلة، لكنه لا يخشى في الحق لومة لائم حتى لو كانت أمه. قام صاحبنا بإقناع أخيه المغترب بأن يُعطيه مالاً ليفتح به مكتبة يكون دخلها ثلث له، وثلث لأخيه، وثلث لله، فلا بد للغربة من نهاية، وعليه أن يبني في بلده. كبر في عيني هذا الرجل لاهتمامه بأخيه أولاً، ولإصراره على طاعة الله في كل شيء حتى في التجارة. دارت الأيام والتقينا بعد سنة، لكنه هذه المرة لم يتكلم عن نفسه كما في المرة السابقة، فسألته عن المكتبة، فقال: أخذت من أخي رأس المال، وفتحت به المكتبة، وخسرت فأقفلتها، تصوّر أنه لا يُريد أن يُساهم معي في الخسائر، لكنه يُريد فقط جني الأرباح، والمشكلة الآن انتقلت منه إلى أبي وأمي، فقد اتهموني بأنني استغفلت أخي وأخذت فلوسه وهم الآن لا يُكلمونني. فعرفت من كلامه أنه أخذ ثلثه، وصادر ثلث أخيه، واغتصب ثلث ربنا، وتخاصم مع أخيه، وأغضب والديه تحت ستار الدين. فلا توظفوا دينكم في دنياكم لجني الأرباح، ولا تجعلوا الدين مطية لتحقيق أغراضكم الشخصية، فتخسرون الدنيا والآخرة معاً.