ما هذا الجنون يا أبوظبي
ربع مليون زائر، نصف مليون عنوان، أكثر من 840 دار نشر،أكثر من 150 فعالية شارك فيها أكثر من ألف ضيف في معرض أبوظبي للكتاب الذي أصبح يعد من أهم المعارض الدولية.. وكل هذا من دون حسيب أو رقيب...تخيلوا..!!
فوجئت بالعدد الهائل من الكتب التي كنت أبحث عنها، وبالطبع لا أجدها في معرض الكويت للكتاب، ولأني غريرة وتعودت على الرقابة، سألت، فقيل لي انه لا رقابة على الكتب في أبوظبي. طبعا لم أصدق الخبر، ولابد من البحث والتمحيص، فتوجهت بالسؤال لصاحبة دار الآداب السيدة إدريس. فأجابتني «في معرض أبوظبي.. لا ممنوع ولا رقابة».
يا للهول..!! أيعقل هذا يا أبوظبي؟ ألا تخافون على أهلكم وناسكم من الكتب؟ ألا تقلقون على صحة العقول، وهوى النفوس الضعيفة، وقدرة السموم المدسوسة بين السطور على أن تصيب من يقرأها بالضرر الجسيم؟ أليس بينكم أولياء أمر وأوصياء يحددون لكم الغث من السمين، والمفيد من المضر، والصحيح من الخطأ.. كما يفعلون عندنا؟
فعاليات لا تحصى: جلسات للناشرين، محاضرات ونقاشات وقراءات شعرية، حفلات توقيع كتب، أنشطة فنية وتشكيلية وموسيقية، جائزة الشيخ زايد للكتاب، وجائزة «البوكر» للرواية العربية، وسائل الإعلام مستنفرة بالكامل، صحافة وإذاعة وتلفاز (معارضنا ومهرجاناتنا الثقافية تبدأ وتنتهي وكأنها سر حربي لا يعرف عنها احد).. طقس احتفالي أشبه بالجنون. لماذا كل هذا الهدر والتبذير، من أجل ماذا؟ من أجل الكتاب، من أجل الثقافة «السلعة المضروبة»؟
لم يتوقف الضرر عند هذا الحد.. فلقد رأيت في ما رأيت حافلة عامة (باص).. كتب عليه «المكتبة الوطنية المتنقلة». ركبت الحافلة، وجدت رفوفا من الكتب المتنوعة وأطفالا افترشوا الأرض التي زينت ورتبت بعناية لاحتضانهم. صدمت.. حتى الأطفال لم ينجوا من دهائكم؟ تسيرون حافلة في شوارع ومناطق أبوظبي البعيدة ليصل الكتاب لأفقر الأحياء وإلى أقل الناس قدرة على الوصول إلى المكتبات؟ ألا تعرفون خطر الكتاب على عقول الناشئة؟ ألا تخافون عليهم حين يرتفع منسوب تفكيرهم، وربما -لا سمح الله- منسوب ذكائهم؟
الأدهى هو ذلك الصالون الأدبي الذي أقامته سيدة إماراتية راقية في وسط معرض الكتاب لاستضافة الأدباء والشعراء من مختلف دول العالم وبمختلف تخصصاتهم وتوجهاتهم من شعراء ونقاد وروائيين وفنانين وناشرين. احترت في أمر هذه السيدة الرائعة ورحت أهذي: «ما لك ومال الثقافة والأدب وهّم القلب يا سيدة أسماء صديق؟ ألم يكن أفضل لك أن تنشغلي بالموضة والأزياء والعزايم والولائم حال معظم السيدات؟».
في النهاية لا أقول إلا.. يا حسرة علينا وعلى معارضنا وعلى مهرجاناتنا وفعالياتنا.. فلقد أوجعني قلبي من المقارنة. وإلى أهل أبوظبي.. سيروا في طريقكم وعين الله ترعاكم «وعيوننا تغبطكم».