من عجائب الجنة
المقدمة:
تأليف محمد صالح المنجد
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعه، وكل بدعة ضلاله وكل ضلالة في النار، أما بعد:
إن الله - سبحانه وتعالى- قد أعد الجنة داراً؛ لأهل كرامته، وجعلها جزاء؛ لأهل إحسانه، وطاعته، -سبحانه- وهو الذي يعطي بلا حساب، وهو الكريم المنان، -سبحانه وتعالى-.
إن نفوسنا في هذه الدنيا الدنية، قد اشتغلت بالمادة، ونسيت ما أعد الله من الجزاء، ولذلك صار العمل قليلا، والبذل ضعيفا، ولو أن الناس تذكروا، وتذاكروا ما أعد الله لهم، إذا هم أخلصوا لله النية، وعملوا بالطاعة؛ لتضاعفت أعمالهم ولانصرفوا عن الدنيا إلا قليلا، ولأخذوا منها كزاد الراكب، وصار جل عملهم للآخرة.
والمسلم يحتاج بين الفينة والفينة، وبين الآونة، والأخرى، إلى تذكرة بالآخرة، وتذكرة بالجنة، والنار.
وما جعل الله الجنة، ولا قص علينا ما فيها؛ إلا لتتحرك الأرواح إلى بلاد الأفراح، والى مستقر رحمة الله - سبحانه تعالى-.
إن في الجنة لعجبا، أنبأنا عن ذلك ربنا - سبحانه- ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
عجائب الجنة:
- أن أهل الجنة يعرفون منازلهم، ومساكنهم إذا دخلوا الجنة، وإن لم يروها قبل ذلك، كما قال الله - سبحانه وتعالى -: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ} (محمد:4-6) . قال مجاهد: [يهتدي أهلها إلى بيوتهم، ومساكنهم، لا يخطئون؛ كأنهم ساكنوها منذ خلقوا] ،
{عَرَّفَهَا لَهُمْ} أي بينها لهم، حتى عرفوها من غير استدلال، فلا يحتاجون إلى سؤال، بل يذهبون إلى بيوتهم مباشرة.
قال بعض السلف: يعرفونها كما تعرفون بيوتكم في الدنيا، إذا انصرفتم من الجمعة، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده إن أحدهم بمنزله في الجنة، أدل منه بمسكنه، كان في الدنيا)). فانظر إلى هذا النعيم من أوله يدخلون الجنة، فيتجهون إلى مساكنهم مباشرة، لا يحتاجون إلى دليل، ولا إلى قائد، فإن الرحمن قد زرع في نفوسهم معرفة البيت، مع أنهم دخلوها الآن.
- أما بناؤها؛ فإن الجنة، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((الجنة بناؤها لبنة من فضه، ولبنة من ذهب، وملاطها المسك الأذفر، وحصباؤها اللؤلؤ، والياقوت، وتربتها الزعفران))، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((بين أنا أسير في الجنة، إذ عرض لي نهر، حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف. قلت: يا جبريل، ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله إياه، ثم ضرب بيده إلى طينه فاستخرج مسكا)). فهذا طين النهر من المسك، قال العلماء: تربتها متضمنة للنوعين، المسك، والزعفران، وقال بعضهم: التراب من الزعفران، والطين من المسك، وقال بعضهم: زعفران باعتبار لونه، مسك باعتبار رائحته.
تعويض الله المؤمنين خيراً مما كفوا عنه في الدنيا:
ولما كف المؤمنون في الدنيا عن المحرمات؛ عوضهم الله خيرا، فلما كفوا عن استعمال آنية الذهب، والفضة في أكلهم، وشربهم؛ كوفئوا على ذلك؛ بأنهم يطاف عليهم بصحاف من ذهب، وأكواب. كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تشربوا في آنية الذهب، والفضة، ولا تأكلوا في صحافهما؛ فإنها لهم في الدنيا، ولكم في الآخرة))، قال الله -عز وجل-:
{وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً} (الانسان:15-16) .
هل رأيت في عمرك، أو سمعت إلى ساعتك هذه، أنه يوجد في الدنيا كوب زجاجي من الفضة؟! هل رأيت كوباً من الفضة الخالصة، له شفافية الزجاج؟! لم نر ذلك في الدنيا؛ لكنه يوجد في الجنة، {وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ}، هل يوجد لها نظير؟ هي قوارير كالزجاج، أخبر -سبحانه - أن مادة تلك الآنية من فضة، وأنها بصفاء الزجاج، وشفافيته، وهذا من أحسن الأشياء، وأعجبها. وكذلك؛ فأهل الجنة يطاف عليهم بصحاف من ذهب، فيها ألوان الطعام، وأكواب فيها ألوان الشراب، هذه الصحاف، متنوعة عليها أكل متنوع، صحاف من ذهب. حرموا أنفسهم منها في الدنيا، امتثالاً، وطاعة لله، وهم في اليوم الآخر إذا دخلوا الجنة، يطاف عليهم بصحاف من ذهب.
روى أبو يعلى الموصلي - رحمه الله تعالى- بإسناد صحيح جيد عن أنس- رضي الله عنه- قال: [كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعجبه الرؤيا، فربما رأى الرجل الرؤيا، فيسأل عنه -صلى الله عليه وسلم- إذا لم يكن يعرفه، فإذا أثني عليه معروف، كان أعجب لرؤياه إليه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أصدقكم رؤيا، أصدقكم حديثا))، فأتته امرأة، فقالت: يا رسول الله، رأيت كأني أوتيت، فأخرجت من المدينة، فأدخلت الجنة، فسمعت وجبة، انفتحت لها الجنة، فنظرت فإذا فلان بن فلان، وفلان بن فلان، فسمت اثني عشر رجلا، - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قد بعث سرية قبل ذلك - فجيء بهم وعليهم ثياب طلس، تشخب أوداجهم. فقيل لهم: اذهب بهم إلى نهر البيدخ - أو البيدح -، فغمسوا فيه، فخرجوا ووجوههم كالقمر ليلة البدر، فأتوا بصحفة من ذهب فيها بسر، فأكلوا من ذلك البسر، ما شاءوا. فما يقلبونها من وجه إلا أكلوا من الفاكهة ما أرادوا، وأكلت معهم، فجاء البشير من تلك السرية. فقال: أصيب فلان، وفلان، حتى عد اثني عشر رجلا، قتلوا شهداء، فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المرأة.
قال: قصي رؤياك. فقصتها، فجعلت تقول: جيء بفلان، وفلان، كما قالها الرجل الذي جاء]. ورواه الإمام أحمد كذلك، وإسناده على شرط مسلم.
لما ترك المؤمنون الحرير في الدنيا، صار الحرير جزاءً لهم في الجنة، كما قال الله -عز وجل-: {وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً} (الانسان:12)، وصار لباسهم الحرير، رجالا ونساء، قال تعالى: {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (الحج:23) .
ولما ترك رجال المؤمنين الحرير في الدنيا, ألبسوه في الجنة، وكما تركوا الذهب في الدنيا، ألبسوه في الآخرة، قال الله -عز وجل-: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} (الحج:23). هل هي أساور من ذهب، وأساور من لؤلؤ؟! أم هي أساور من ذهب مرصعة باللؤلؤ؟! كلاهما محتمل. قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((لو أن رجلاً من أهل الجنة، اطلع فبدا سواره؛ لطمس ضوء الشمس، كما تطمس الشمس ضوء النجوم))، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء)) ، الحلية يلبسها في الجنة على حسب ما يبلغ الوضوء من أعضائه.
وروى الإمام أحمد بسند قوي، ورجاله رجال الصحيح، قال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((إن القرآن يلقى صاحبه يوم القيامة، حين ينشق عن قبره، كالرجل الشاحب، فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول له: ما أعرفك. فيقول له القرآن: أنا الذي أظمأتك في الهواجر وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجاره، فيعطى الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع على رأسه تاج الوقار، ويكسى والداه حلتين، لا تقوم لها الدنيا. فيقولان: بما كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن. ثم يقال له: اقرأ، واصعد في درج الجنة، وغرفها، وهو في صعود ما دام يقرأ حدراً كان، أو ترتيلا))
- أن أنهارها تجري في غير أخاديد، فإن أنهار الدنيا تجري في شقوق في الأرض، تشق شقاً، فتجري في أخدود. أما انهار الجنة؛ فتجري على سطح أرض الجنة، لا تجري في أخاديد، كما جاء ذلك عن أنس -رضي الله عنه- موقوفا، وكذلك أخذه بعض العلماءمن قول الله –تعالى-: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} (الواقعة:31). وهذا نهر الكوثر: حافتاه من ذهب، ومجراه على الدر، والياقوت، تربته أطيب ريحا من المسك، وماؤه أحلى من العسل، وأشد بياضا من الثلج، هذا شيء مما أعده الله لأهل طاعته.
- في الجنة طعام عجيب، وشراب عجيب، فمن طعامها: الطير يكون مشويا، وغير ذلك يأكلونه لذيذا. فيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون.
وطير الجنة عجيبة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح عن الكوثر: ((هو نهر
أعطانيه ربي أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فيه طيور أعناقها؛ كأعناق الجزر -جمع
جزور- )) فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: إنها يا رسول الله، لناعمة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ((أكلها أنعم منها)) . ، قال - تعالى-: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} (الواقعة20-21)، فأين العاملون يا عباد الله؟! أين المجتهدون في تحصيل الجنة؟! أين المشمرون لنيل ثوابها، وتحصيل ما أعد الله فيها؟! أين أصحاب الحبال الموصلة؟!.
- إن بيوت أهلها خيام ليست من القماش؛ لكنها من اللآلئ المجوفة، لكن بيوت أهل الجنة مجوفة من اللآلئ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم- ((إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة، واحدة مجوفة طولها ستون ميلا للمؤمن، فيها أهلون يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضا)) وفي رواية أيضاً في الصحيحين: ((الخيمة درة طولها في السماء ستون ميلا، في كل زاوية منها أهل للمؤمن، لا يراهم الآخرون)). فهو يطوف عليهم، ويأتي، ويجامع في تلك الزوايا، في تلك اللؤلؤة المجوفة، كل زاوية أهل له لا يراهم الآخرون.
- وأما عن الزرع فإنه عجيب، من أعجب العجب، قال الله - تعالى-: {وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ} (الزخرف:71) . فعن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: أنه كان يوما يحدث، وكان معه رجل من أهل البادية. قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه عز وجل في الزرع، يريد أن يزرع في الجنة. فقال له الله -عز وجل-: أو لست فيما اشتهيت؟ فقال: بلى. ولكني أحب أن أزرع، فأسرع، وبذر. فبادر الطرف نباته، واستواؤه، واستحصاده، وتكويره، أمثال الجبال في طرفة عين. فيقول الله -عز وجل-: دونك يا ابن آدم، فإنه لا يشبعك شيء)). فقال الأعرابي: يا رسول الله، لا تجد هذا إلا قرشياً، أو أنصارياًً؛ فإنهم أصحاب زرع. فأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك رسول -صلى الله عليه وسلم-.
- أنه يوجد فيها ظل ولا يوجد فيها شمس. وأن الظل الموجود في الجنة لا ينحسر، (لا يتقلص) قال الله -تعالى-: {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} (الواقعة:30)، وقال-تعالى- أيضاً: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا} (الرعد:35)، لا ينقص من ثمرها شيء، وظلها دائم كذلك، لا ينحسر.
- أن الجنة ليس فيها ليلٌ باتفاق العلماء، كله نهار مع أنه لا يوجد فيها شمس، وجاء عن بعض السلف تشبيهه بالوقت الذي يكون بين الفجر، وطلوع الشمس،فليس فيها ليل، وأهلها لا ينامون، لأن النوم أخو الموت، ولو ناموا لفات عليهم نعيم، فالله أدخلهم الجنة؛ ليتنعموا طيلة الوقت، فأهلها لا ينامون.
- استمرار الأكل مع عدم الحاجة إلى قضاء الحاجة، كما جاء في سنن النسائي بإسناد صحيح عن زيد بن أرقم -رضي الله عنه- قال: [جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا أبا القاسم، تزعم أن أهل الجنة يأكلون، ويشربون؟! قال: ((نعم، والذي نفس محمد بيده أن أحدهم ليعطى قوة مئةَ رجلٍ في الأكل، والشرب، والشهوة، والجماع)). قال اليهودي: فإن الذي يأكل، ويشرب، تكون له الحاجة؟ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((تكون حاجة أحدهم رشحاً يفيض من جلودهم، كرشح المسك، فيضمر بطنه))]. هذا قضاء الحاجة في الجنة، رشح على الجلد، رائحته كرائحة المسك، ثم تضمر البطن، فيعود للأكل، فهم دائماً في أكلٍ، ودائما في شربٍ ودائما في لذة.
- ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((أن مجامرهم الألوَّة))، وهو طيبٌ في الدنيا مخصوص، يجلب من الهند. لكن في الآخرة يختلف ما في الجنة عما في الدنيا إلا الأسماء. فيها رمان؛ ولكن ليس كرمان الدنيا، ونخيل لا كنخيل الدنيا، وهكذا. هذا نوع من الطيب، قال العلماء: يكون له بخار من غير نار.
- أن أهل الجنة، كما قال الله - تعالى-: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} (الحجر:47). وجوه بعضهم لبعض، لا يمكن أن يستدبر أحدهم الآخر، لا يكون دبر إنسان إلى وجه إنسان آخر. عددهم كثير، مناطقهم متوزعة في الجنة، أعلى، وأسفل، ويمين، وشمال، لكن لا يستدبر أحدهم الآخر، متقابلين طيلة الوقت، وجوه بعضهم لبعض، والله على كل شي قدير. هذا من نعيمهم.
- أزواج أهل الجنة:
أن فيها أزواجاً مطهرة، كما قال الله - تعالى-: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} (البقرة:25)، قال العلماء: مطهرة من الحيض، والغائط، والنجاسة، والبصاق، لا يحضن، ولا يبلن، ولا يتغوطن، ولا يمذين، ولا يبصقن، ولا يتنخمن، طهرهن الله من كل قذر، ومأثم، كأنهن لؤلؤ مكنون، صفاؤهن صفاء الدر؛ الذي في الأصداف، لم تمسه الأيدي، وقال الله - تعالى-: {وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (الدخان:54)، وهي المرأة الشابة، الحسناء الجميلة، البيضاء، شديدة سواد العين، في شدة البياض، يحار فيها الطرف؛ من رقة الجلد، وصفاء اللون، كأنهن بيض مكنون، واسعات الأعين، حسان الأعين، قاصرات الطرف؛ إلا على أزواجهن، كأنهن الياقوت، والمرجان، صفاء الياقوت، في بياض المرجان، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} (الرحمن:74)، فهي بكر كلما أتاها، عرب متحببات إلى أزواجهن، أتراباً في سن واحدة، كواعب قد تكعب ثديها، فليس بالمتدلي.
جاء وصفها كما في صحيح البخاري: ((لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض؛ لملأت ما بينهما ريحاً، ولأضاءت ما بينهما، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا، وما فيها)).
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((للرجل من أهل الجنة، زوجتان من الحور العين، على كل واحدة سبعون حلة)).
- غناء أهل الجنة:
أن فيها غناء، فإن الله ما حرم علينا شيئاً؛ إلا وجعل لنا خيراً منه، كما قال - صلى الله عليه وسلم: ((من ترك شيئا لله، عوضه الله خيرا منه))، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنأزواج أهل الجنة؛ ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات، ما سمعها أحد قط. وإن مما يغنين به -كلمات الأغاني في الجنة-: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان. (وإن مما يغنين به)، نحن الخالدات فلا يمتنه، نحن الآمنات فلا يخفنه، نحن المقيمات فلا يضعنه)). - والضعن: هو الترك، والرحيل-.
من ترك الغناء في الدنيا؛ عوضه الله من غناء أهل الجنة. ومن ترك منكرات الأسواق في الدنيا، فإن هناك سوقاً في الجنة.
وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن في الجنة؛ لسوقاً يأتونها كل جمعة، فتهب ريح الشمال، فتحثو في وجوههم وثيابهم من كثبان المسك، فيزدادون حسنا وجمالاً، فيرجعون إلى أهليهم وقد ازدادوا حسنا وجمالا، فيقول لهم أهلوهم: والله لقد ازددتم بعدنا حسنا وجمالاً، فيقولون: وأنتم والله قد ازددتم بعدنا حسنا وجمالا)) فالحسن والجمال في ازدياد دائم من الرجال، والنساء بعضهم لبعض.
وعجائب الجنة كثيرة، وهذه مقتطفات، ونزر يسير، ثم أنه مهما تخيلنا فإن الأمر أعلى من ذلك، ولا يمكن تصوره؛ لأن في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ومهما تخيلته فهو أعلى من ذلك، فلماذا الانغماس في المعاصي، وترك الطاعات، والتكاسل عن العبادات؟! وقد حفزنا الله لدار كرامته، وذكر لنا بالتفاصيل من الأشياء التي تحرك من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
انشغالنا بالدنيا:
لقد انشغلنا بالتجارات، والوظائف، والأموال، والأولاد، والزوجات، والسياحة، والسفريات، والكماليات، والأسواق، والأسهم، والسندات، بالحلال والحرام، ونسينا الجنة، ونسينا ما فيها، ولا نطلع على شيء من النعيم إلا نادراً، ولا نقرأ إلا قليلاً، وإذا قرأنا لا نتدبر، ولو أننا تدبرنا ما أعد الله لتغيرت أحوالنا، ولأسرعنا الخطا إلى دار الكرامة، ودار السلام، ودار الأمان، الجنة التي عرضها السماوات والأرض.
الدعاء:
اللهم اجعلنا من أهل الجنة، وأدخلنا إياها مع الأبرار، اللهم اجعلنا ممن ينظرون إلى وجهك الكريم، في ظلال على الأرائك ينظرون. اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول، وعمل، ونعوذ بك من النار، وما قرب إليها من قول وعمل. اللهم باعد بيننا وبين جهنم، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم اجعلنا من عبادك الأخيار، وجندك الأبرار، واجعلنا من السعداء في الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين!! واغفر لنا أجمعين، اللهم لا تجعل لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا عسيراً إلا يسرته، اللهم لا تجعل لنا ضالاً إلا هديته، ولا ميتاً إلا رحمته، يا ارحم الراحمين!! إنك على كل شي قدير، وبالإجابة جدير، اللهم انصر إخواننا المسلمين في الأرض، اللهم ارفع الذل عنا وعنهم يا أرحم الراحمين!! اللهم أهلك اليهود، ودمرهم، ومن شايعهم من ملل الكفر، يا رب العالمين!! اللهم أنزل بهم سطوتك، وبأسك الذي لا يرد عن القوم الظالمين، اللهم إنهم لا يعجزونك، فدمرهم في البر، والبحر، والجو، إنك على كل شي قدير، اللهم أورثنا أرضهم، وديارهم، وأموالهم، اللهم انصرنا، وأعنا، ولا تعن علينا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.