ممنوع من النشر
كتب طارق العلوي :
أختلس النظر كل مساء الى ذلك القلم المرمي في زاوية مظلمة وقد علاه الغبار ونسج العنكبوت فوقه مأواه، كرهته وكرهت الاقتراب منه بعدما أدركت أن لعنة ستلاحقني إن أنا مسسته. كم كانت جميلة تلك الأيام الخوالي عندما كان يوسوس لك شيطان المقال ويوقظك من مخدعك فتمشي بلا وعي الى شاطئ الكلمات لتجد قلما افترش ملاءة بيضاء من الورق تتمايل فوق بحر لجي من الأفكار والخواطر. تنادي على القلم فيقفز من مكانه ويلقي بنفسه على راحة يدك خاضعا مشتاقا فتضعه برفق على الورقة البيضاء وتلكزه فينطلق كالجواد الأصيل لا يلوي على شيء ولا ترى منه الا .. أثره!
ألوان لوحة فنية ترتسم أمام ناظريك أو أنغام سيمفونية موسيقية تتراقص في أذنيك لا تعادل في لذتها لحظات الهيام وتبادل الغرام حين تتلاقى كلمات الكاتب مع بنات أفكار القارئ فتخفت هنيهة نار الشوق بقرب الحبيب لتعود بعدها وتستعر من جديد في طلب المزيد.
عصفورا كنتَ وكانت سماء الحرية أمامك زرقاء على مد البصر، ترفرف مختالا بجناحيك الصغيرين فتظن خفقهما يصنع الرياح العاتية ويثير الأمواج العالية. لكن الزمن منزل لا تستقر فيه الأيام، يرحل بعضها لتنزل فيه أيام غيرها، وكلما مر منها يوم بقرب العصفور مسح على جسده الضئيل وتمتم بطلاسم الحياة فيكبر العصفور ويشتد عوده، حتى غدا العصفور بازا، فما عاد يقبل بالتحليق الا في أعالي القمم ولا أضحى يأبه من الحوادث باللمم، اذا انقض من علٍ شاهرا مخالبه ارتعدت فرائص فريسته لا تدري إن كانت منيتها من فزع أم وجع!
وفجأة، تضيق عليك أيها الباز سماء الكلمة بما رحبت، فتتلبد الغيوم تنذرك بجلجلة رعدها وتتوعدك برماح برقها، ثم تتساقط السماء على جناحيك كسفا وأغلالا فيتثاقل بعدها طيرانك ويضعف خفقانك. يرنو بصرك الى أعلى ويهفو قلبك الى شمس الحرية التي حجبتها الغيوم الرمادية، فتقاوم لتحلق عاليا، لكن هيهات لمن صفدت الأغلال جناحه وأثقلت الرقابة جراحه أن يعود مرة أخرى طائرا.. حرا!