أشياء سيئة وقعت لتوها (( فلم جديد باسرائيل ))
فتاة إسرائيلية اسمها «إيدين» تقع فى غرام شاب فلسطينى اسمه «سامى» يغلق باب الحمام فى شقتها على نفسه ولا ينطق بكلمة بينما هى تدق الباب بقوة وتصرخ وتحاول عبثاً إقناعه بالخروج للتفاهم على طريقتها.
نلحظ نحن وجود ملصق على الباب لعلم إسرائيل مكتوب عليه باللغة الإنجليزية IS*REAL*HELL وهو تلاعب بالحروف يعنى «إسرائيل جحيم حقيقى»، كما نلحظ تدفق مياه عفنة ملوثة على السلم تزداد قوة تدفقها حتى تبدأ الحوائط فى الانهيار.
وفى الوقت نفسه نرى مذيعاً إسرائيلياً اسمه «آدم» على التليفزيون يقول من موقع الأحداث: «أزمة الصرف الصحى فى تل أبيب تتفاقم وتنشر الذعر بين السكان. تفترض السلطات انفجار الماسورة المركزية، لكنها لا تستبعد احتمال العمل الإرهابى».
لاتزال «إيدين» فى محاولاتها المستميتة لإقناع «سامى» وفى سبيل ذلك تعتذر له عما فعلته وتقول إنها لم تكن تقصد أن تتحول إلى ما تحولت إليه وأن ما حدث ساعدها على أن تفهم وأنها الآن تفهم.
كانت هى قد احتدت وفقدت أعصابها فقذفت هاتفها المحمول بطريقة عمياء فى الحائط فارتد الهاتف من الحائط وسقط فى المرحاض وهو ما لم تكن تعلم أنه السبب الآن فى انسداد شبكة الصرف الصحى بعد انفجار الماسورة الرئيسية.
يتمسك «سامى» بموقفه بينما تتوجه هى لقضاء حاجتها فوق السطح، هكذا فى العراء. على بعد خطوات منها تجلس جارتها العجوز أم «آدم» مذيع التليفزيون التى لا يقل عمرها، كما يبدو، عن السبعين.
تجلس وقد فككت أجزاء بندقية آلية معقدة وأمسكت بريشة فى يدها اليمنى وأخذت تنظف باطنها فى حنكة وحرفية كأنها تمشط شعر طفلة صغيرة.
يدق هاتفها المحمول فتطلب من «إيدين» أن ترد بدلاً منها على ابنها الذى يطلب منها الآن أن تحزم حقائبها لأنه قرر أن ينقلها إلى دار للمسنين فى الشمال إلى أن تتضح أبعاد هذه الأزمة.
يستطرد «آدم» الذى نراه الآن فى حمامه الأنيق فى تل أبيب: «عندى معلومات سرية.
لا يوجد لدى الحكومة أدنى فكرة عن إمكانية حل هذه الأزمة، ولهذا فقد قرروا أن ينتقموا من الفلسطينيين – هل تفهمين؟»
أثناء ذلك، وبينما بدأ هو نفسه يقضى حاجته فى الحمام، يترامى إلى سمعه صوت امرأته تستعجله فيستمهلها.
بعد قليل يفاجأ، وهو فى موضعه هذا، بأن المرحاض بدأ يتقيأ برازه وقاذوراته إلى الخارج.
يحاول عبثاً علاج آثاره بينما يأتيه مرة أخرى صوت امرأته وقد زاد تململاً.
يجد نفسه هذه المرة مضطراً إلى الكذب حتى على أقرب المقربين: «انتظرى، لقد جرحت ذقنى أثناء الحلاقة».
ترد هى عليه وقد اعترى صوتها القلق: «افتح إذن كى أساعدك».
لكنه لا يفتح.
فقط يبقى هكذا داخل الحمام معجوناً بالقاذورات.
هكذا يتوحد «سامى» و«آدم».
هكذا يتوحد الفلسطينى والإسرائيلى.
وهكذا يغلق كل منهما على نفسه باب الحمام غير راغب فى الخروج وإن اختلفت الأسباب.
أحدهما لأنه تعرض للظلم فانعدمت ثقته فى الآخر، والآخر لأنه يدفع ثمن حماقته وظلمه.
وهكذا ينفتح بطن الواقع الإسرائيلى، غير أن الأجمل من هذا أنه ينفتح على يد مخرجة إسرائيلية، هى شاهد من أهلها، تعكف حالياً على إخراج هذا الفيلم الذى يحمل عنوان Shit Happens (أشياء سيئة وقعت لتوها ).
أما المخرجة فهى «كيرين بن رافاييل» التى أدى اشتراك أحد أفلامها فى مهرجان المركز الثقافى الفرنسى بالقاهرة، قبل أيام قليلة، إلى انسحاب المبدعين المصريين الذين تضامنت معهم دائرة أعرض من المثقفين ثم تضامنت معهم الدولة من خلال بيان شديد اللهجة أصدرته وزارة الخارجية المصرية رداً على موقف نظيرتها الفرنسية.
أجدنى وقد انضم صوتى إليهم بالنظر إلى عنصرية المجتمع الإسرائيلى وما يفعلونه ليل نهار بالفلسطينيين وبنا وبأنفسهم حائراً لاأزال فى مهمة القبض على ذلك الخط الدقيق الذى يفصل بين الإلحاح الضرورى على مبدأ المقاطعة والضرورة الملحة لمبدأ «اعرف عدوك».
المصدر . المصري اليوم