«الناس تخاف لكن لا تستحي»
كتب أحمد الصراف :
كان شارلز بلم Charles Plump يعمل طيارا في البحرية الاميركية خلال حرب فيتنام، وعند قيامه بالطلعة 75 تمكن الفيتناميون من اسقاط طائرته بصاروخ ارضي، ولكنه نجح قبل تحطمها في القفز منها والهبوط بمظلته (براشوته) بسلام على الارض، ولكن الفيتناميين كانوا بانتظاره، حيث ظل مسجونا لديهم 6 سنوات، وبعد معاناة طويلة اطلق سراحه.
وفي يوم كان جالسا وزوجته في احد المقاهي عندما تقدم منه رجل وقال له: انت «شارلز بلم» اليس كذلك؟ وكنت طيارا حربيا في فيتنام، وتم اسقاط طائرتك! فسأله شارلز كيف عرفت ذلك، فرد قائلا: انا الذي وضب وعبأ لك مظلتك الجوية، ويبدو انها عملت بشكل جيد! هنا شعر شارلز بتسارع دقات قلبه ووقف ليشد على يد الرجل شاكرا له اخلاصه في عمله، وابدى شديد امتنانه، فلو اهمل، ولو قليلا، في عمله لما تسنى له ان يعيش يومه!
لم يستطع شارلز النوم في تلك الليلة، وهو يفكر في ذلك الرجل، متخيلا هيئته على حاملة الطائرات تلك وهو بملابسه البحرية الاميركية البسيطة وقبعته المتواضعة، واخذ يتساءل بينه وبين نفسه كم مرة مر بذلك البحار من دون ان يعيره اي اهتمام او ينتبه له او يلقي عليه التحية او حتى يبتسم له؟
فقد كان هو قائد مقاتلة حربية، اما الرجل فبحار بسيط. كما فكر في الساعات التي قضاها ذلك البحار على طاولات خشبية، وهو يعمل على تجهيز المظلات وفك خيوطها وترتيب عملية فتحها والعناية بتفاصيلها الصغيرة والمهمة من دون ان يعرف من الذي سيستعين بها في نهاية الامر، وتكون سببا في انقاذ حياته!
والآن، من الذي وضب لك براشوتك اليوم؟ ففي حياة كل فرد منا هناك من يقوم بتوضيب براشوت او اكثر لنا، وربما يكونون اناسا لم نلتق بهم او نعرفهم، فهم يقومون بعملهم بصمت من دون ان نشعر بذلك، فموظف مراقبة جودة المياه مثلا في اي محطة تقطير مسؤول عن توضيب وتجهيز براشوتاتنا، وفني صيانة المصاعد في اي عمارة، ومهندسو الطيران الذين يسهرون على صيانة طائراتنا، ومراقبو الحركة الجوية في المطار، وجيش آخر من الممرضين والاطباء والمدرسين الذين يعتنون بتعليم ابنائنا والذين يكمن دورهم في تجهيز وتحضير المظلة الجيدة التي نستطيع جميعا من خلالها مواجهة متاعب الحياة ومصاعبها والهبوط بسلام، وجميع المخلصين في عملهم من هؤلاء يستحقون منا كل الشكر ووافر التقدير.
ولكن لو نظرنا إلى الوظائف التي يقوم بها مئات آلاف موظفي الدولة، وتساءلنا كم نسبة ما يؤدى منها بضمير بحيث يمكن لمتلقي الخدمة الشعور بالاطمئنان بان النصيحة التي سمعها هي الصحيحة، لانتابنا الخوف من تواضعها، فنسبة كبيرة ينطبق عليها المثل المصري: ناس تخاف بس ما تختشيش!