"المباراة اللعنة" .. قشة أم اختراق
كيف أهرب من هذا التاريخ, وإلى أين أذهب في ظل هذا التشويش على الهوية التي زرعها فيّ هؤلاء .. أبي أحد مؤسسي التعليم الفني في سوريا وقت أن توحدت مع مصر مطلع الستينات, وفي ليبيا مطلع السبعينات, وعمي ممن باعوا كل ما وراءهم من أجل الثورة والقومية العربية قبل أن يقصيه أنور السادات عندما تبنى توجهاً منحرفاً عن العروبة, وعمي الآخر عمل موجهاً تعليمياً في قطر, والآخر كان مستشاراً زراعياً لسلطنة عمان, وخالي ممن أفسحوا الطريق أمام علاقات مصرية مع ثوريي الجزائر ضد الاحتلال الفرنسي, وتمويلهم بالأسلحة عن طريق إحدى العواصم الأوروبية ودفعت مصر ثمنها في العدوان الثلاثي عام 1956 ( فرنسا – إنجلترا – إسرائيل ), وأنا أعمل حالياً بالسعودية.
ولدت وترعرعت مثل ملايين المصريين في مناخ قومي عربي, رسخ عندي لغة الواجب تجاه الأخ, وعفاني من الإحساس بالفضل حتى تحت ضغط محاولات البعض للنيل من هذا التاريخ.
في يوم وليلة وبكل بساطة, ودون أدنى مسؤولية, أراد أحدهم أن يصدع الحائط التاريخي الذي أتكئ عليه وورثته من الأجداد, بسبب مباراة في كرة القدم فاز فيها المنتخب الجزائري على المصري وتأهل لنهائيات المونديال عبر مدينة أم درمان السودانية التي استضافت مواجهة المنتخبين.
بجهل .. أسهب عدد من قدامى لاعبي الكرة المتصدرين لشاشات الفضائيات الرياضية المصرية, وبعض الصحف الجزائرية, في تأجيج روح الثأر ممن اعتبروهم أهانوا الكرامة, وبجهل أطلقوا العنان لخيالهم التافه ليربطوا بين موقع ومكانة وتاريخ مصر, وهتافات ساذجة من جمهور جزائري.
وبتجاهل .. غضت الحكومة المصرية الطرف عن تجاوزات من أسموا أنفسهم بإعلاميي الرياضة المصرية .. لتحقيق عدد من المكاسب السياسية التي تعمق تغييب الشعب عن الإخفاقات الحقيقية.
سؤال يطاردني: هل خيوط الربط بين الشعوب العربية بهذا القدر من الضعف, ومعرضة بالفعل للانهيار, أهذه المباراة "اللعنة" هي القشة التي ستقصم ظهر العروبة؟!!, أم هو اخترق الآخرين للعلاقات العربية من أجل إحداث الوقيعة, وهل لنا أن نأخذ بالربط بين من وراء ميليشا الحوثيين في اليمن, وما كاد يحدث بين الجمهوريين الجزائري والمصري في أم درمان؟.
أجيبوني يرحمكم الله قبل أن ينفلق رأسي.
كتاب اليوم
عدنان النمكي