منيرة في كليفلاند
فور أن أحست منيرة بآلام الوضع، وهي في مدينة كليفلاند بولاية أوهايو الأمريكية، هاتفت رامي لسؤاله عن أقرب مستشفى ولادة تستطيع أن تضع مولودها فيه. رامي ليس زوجها ولا حتى جارها. إنه موظف أردني في مكتب خدمات تعليمية في الخبر وفر لها القبول في معهد اللغة بأمريكا التي تدرس فيه منذ أربعة أشهر.
طالبات وطلاب يدرسون خارج المملكة لا يعتمدون على رامي في الحصول على قبول في الجامعة، وإيجاد شقة، وعائلة فحسب بل يتجاوز ذلك بكثير. فهو يتلقى أسئلة يومية من طلاب وطالبات من وراء البحار يستفسرون عن محل يبيع لحم حلال في بنسلفانيا، أو مطعم عربي في هيوستن، أو حلاق في فانكوفر!
يزور رامي في مكتبه بالخبر نحو 10 طلاب وطالبات يوميا ليقوم نيابة عنهم بتعبئة استمارات التقدم للحصول على تأشيرة سفر لبريطانيا أو أمريكا مقابل مئة ريال. لكن الأمر لا يتوقف عند ذلك الحد. فهو تلقائيا منذ ذلك اليوم ينوب عنهم في كل شيء. ابتداء بالاستمارة حتى شراء السيارة.
إننا اعتدنا الاستعانة بصديق أو(رفيق) مبكرا. فكومار هو الذي يغير مصابيح غرف نومنا، ونورما هي التي تغسل ثيابنا. فعندما نذهب فجأة إلى العالم المتقدم نفتقد كومار ونورما بشدة. ونبدأ رحلة البحث عن هيثم أو أشرف أو زكي ليكونوا على أقل تقدير عكازاتنا هناك بعد أن تركنا أيدينا وأرجلنا في المملكة.
هيثم، شاب أمريكي من أصل مصري لم يتجاوز 32 عاما، كان عكازا لأربعة طلاب سعوديين أقاموا في دنفر بولاية كولورادو الأمريكية. كان هيثم طاهيا وسائقا ومرشدا سياحيا. ببساطة (بتاع كله). يتقاضى شهريا مائتي دولار أمريكي من كل طالب، ودعوات لا تحصى من أمهاتهم. كان هيثم يشكل مصدر اطمئنان لهؤلاء الشباب الذين لم يعتادوا أن يغسلوا ثيابهم وهمومهم وحدهم. فقد كانوا يعتمدون عليه في كل صغيرة وكبيرة حتى في اختيار المواد ومكان قضاء الإجازة، حارمين أنفسهم متعة التجريب والاستكشاف والوقوع في الخطأ. فهم لم يعتادوا خوض غمار معاركهم فرادى، إذ ترعرعوا وهم يشاهدون العاملات المنزليات يجرين حقائبهم، ويكنسن منازلهم، ويلمعن أحذيتهم. كبروا وهم يأمرون وينهون. لم يجربوا أن يغسلوا سياراتهم ولا حتى كي ملابسهم.
هذه الإتكالية التي حولت العديد منا إلى مصدر تهكم وسخرية واستغلال خارج المملكة لن تتبخر دون أن نؤصل ثقافة الاعتماد على النفس منذ نعومة أظفارنا. لن تختفي بين عشية وضحاها. فعلى الآباء والأمهات أن يكلفوا أبناءهم مبكرا بمساعدة العاملات المنزليات في تنظيف المنزل وغسيل الملابس وإعداد الأطباق. عليهم أن يكافئوهم إذا استبدلوا مصباحا تالفا أو غيروا حفاضات إخوانهم الصغار. فكما الحصول على شهادة جامعية يتطلب اجتياز المراحل الدراسية السابقة فالاعتماد على النفس يحتاج إلى تأهيل وتأصيل مبكرين. إنهم يضحكون علينا في أمريكا، وأستراليا، ونيوزلندا، وبريطانيا، وكندا وحتى في الخبر وجدة، فلندعهم يتوقفون عن الضحك ولو قليلا.
كتاب اليوم
عبدالله المغلوث