السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أب يوصي ابنه بشنق نفسه
يحكى أنه كان لرجل غني ولد وحيد لم يرزق غيره، فعاش هذا الولد مدللا في رفاهية جعلته مسرفا في انفاق المال. وزاد ذلك عندما كبر والتف حوله أصحاب كثيرون استهدفوا ماله وسهراته التي كان ينفق فيها عليهم بلا حساب. وقد توفيت أم الشاب فأحدثت صدمة عنيفة في نفس زوجها، الا أن الابن لم يكترث وواصل حياة اللهو التي يعيشها. ولم تفلح نصائح الأب مع ابنه، فلما رأى الأب هذا التمرد على نصائحه من قبل ابنه الذي سيرث جميع ماله وعقاراته بعد رحيله عن الدنيا فانه مع احساسه بدنو أجله نادى الابن وقال له: يا ولدي لي وصية أحب أن أوصيك بها فأرجوك أن تنفذها اذا كان لديك حب لي. فاذا جار الزمان عليك بعد موتي وفقدت المال والأصحاب، فما عليك الا أن تحضر حبلا وتربطه في حلقة مصباح غرفة الضيوف ثم تشنق نفسك به. قال هذه الكلمات والدموع تتراقص في عينيه ولم تتوقف دموعه الا عندما طمأنه الابن الى أن الدنيا بخير وأنه قوي بما يكفي ولن يضطر الى ذلك، ومع ذلك اقسم لأبيه أنه سينفذ وصيته.
كانت المفاجأة عندما مات الأب في اليوم التالي انه ما ان انتهت مراسم الدفن حتى نسي الفتى أباه وعاد بصورة أكثر الى مصاحبة أقران السوء ينفق المال بغير وعي.. ولم تمض سنوات وهو على حاله هذه حتى وجد نفسه قد فقد جميع أمواله فتحول الى بيع عقارات أبيه الواحد بعد الآخر حتى لم يبق من أملاكه سوى البيت الذي يسكنه. وحاول أن يطلب العون من أصحابه فأعانوه يوما ثم راحوا يتفرقون من حوله حتى لم يعد يزوره أو يصاحبه احد منهم. وعند ذلك تذكر كلام أبيه وادرك قيمة نصائحه التي لم يسمعها، ولكن أين هو هذا الأب ليعترف له؟ وأمام الكارثة التي حلت به راودته فكرة الرحيل عن بلده بعد بيع بيته وبدء تأسيس حياة جديدة، لكن صوتا ناداه من الأعماق يسأله عما يمكن أن يقوله الناس عنه اذا باع البيت الذي سكنه والده التاجر المعروف المشهور بخلقه وصاحب السيرة العطرة. وهنا أدرك أن أباه كان على حق عندما أوصاه بشنق نفسه، فأحضر حبلا وربطه في حلقة مصباح غرفة الضيوف، كما طلب والده، فاذا كان قد تجاهل كل نصائحه من قبل فلا أقل من أن يستجيب لوصيته. وأحضر كرسيا وضعه أسفل المصباح وقد صعد اليه وأحكم ربط الحبل حول عنقه ثم دفع الكرسي بقدميه فاذا به يسقط على الأرض، وفي الوقت ذاته انهمر فوقه سيل من العملات الذهبية فخال نفسه في حلم من أحلام اليقظة، الا أنه لاحظ بين العملات ورقة مطوية ففتحها وقرأ فيها الكلمات التالية: «كنت على يقين أنك ستنفذ وصيتي يوما من الأيام وعندها سيكون رشدك قد عاد اليك.. لهذا أخفيت في هذا المكان ألفا من العملات الذهبية كي تكون عونا لك في بناء حياة جديدة. فانهض لتوك واستع.د ما أضعت من المال والعقار، وحذار أن تعود الى ما كنت عليه لأنك لن تجد من يقدم لك العون من جديد.... (أبوك)».
ولم يكمل الفتى قراءة الورقة حتى تساقطت دموعه وراح يدعو لأبيه معاهدا الله الا يعود الى حياته السابقة، ولا الى الأصحاب الذين ضيع أمواله عليهم ولم يعرفوه بعد أن أصبح مفلسا!
عن كتاب «أغرب الوصايا». ( جريدة القبس)