عار التمريض
كتب أحمد الصراف :
لو قلت لأكثر من ستة مليارات إنسان في العالم إن معهدا تقنيا يقدم تعليما متخصصا لطلبته مجانا لسنتين، على الأقل، ويعطيهم فوق ذلك راتبا شهريا يبلغ 1500دولار، مع ضمان الوظيفة طوال العمر مقابل راتب لا يقل عن 4000 دولار شهريا، فلن تجد من يصدقك، ولكنها الحقيقة، فهذا هو حال معهد التمريض في الكويت، الذي انشئ في الزمن الجميل، أي قبل 30 عاما ولم يتخرج منه في السنة الدراسية الماضية إلا أربع ممرضات! ولا تزال إدارة المعهد موجودة بكاملها من دون عمل حقيقي، لأن العادات والتقاليد الجديدة التي جاءت مع الصحوة المباركة، والتعليم المتخلف، كرهت هذه المهنة الشريفة والفائقة الأهمية في أعين فتياتنا، وجعلتها مهنة طاردة، ليس فقط لمن يبحث عن عمل، بل وحتى للعاملين بها، وهذا ما شجعته مختلف قوانين التخلف، التي -إضافة إلى ذلك- شجعت على الاستقالة المبكرة والجلوس في البيت، أو التسكع في المولات!
لا نجادل في حق من يود أن يبين أن مهنة التمريض غير لائقة، لأنها تتضمن اختلاطا بالذكور، وأن هذا الاختلاط شر وحرام، فهذه آراؤهم وهم أحرار فيها، ولكن ما هو ذنب المجتمع، وكيف نسعى لصرف عشرات المليارات على خطط تنمية وخلق مئات آلاف الوظائف وليس بيننا من يود أو تود العمل كممرضة، لأن أخلاقيات المجتمع لا تسمح بذلك؟! وكيف نسعى لخلق وظائف جديدة وأرفف برنامج تعديل هيكلة القوى العاملة تمتلئ بمئات طلبات الباحثين عن العمل.. من غير الراغبين في العمل، والذين يفضلون -نساء ورجالاً- النوم أو الدوران في الشوارع والمجمعات التجارية على التقيد بدوام عمل محدد، حتى لو أدى ذلك إلى خسارتهم رواتب ودعم عمالة تقارب الـ3000 دولار شهريا للفرد. في الوقت الذي لا يزيد فيه راتب أي خادم لديهم على مائتي دولار.. شهريا! فواحد ينام ولا يكترث بـ3000 دولار، وآخر يعمل 30 يوما ليحصل على 200 دولار!
إن الخلخلة الاجتماعية والأخلاقية، التي كرهت العمل اليدوي وزينت عكسه، لن تؤدي بنا في نهاية الأمر لغير الكارثة، فخطط التنمية والخصخصة سينتج عنها خلق مئات الوظائف، وبما أن نسبة كبيرة من المواطنين، ومن الإناث بالذات، على غير استعداد للعمل في الكثير من المجالات، أو بالأحرى لا يسمح لها بالعمل، فإن النتيجة الحتمية ستكون في استقدام المزيد من العمالة الرثة، وانزواء المواطنين أكثر وأكثر في «غيتوهاتهم» الخاصة، غير مكترثين بالنتائج السلبية عليهم وعلى المجتمع.
نكرر ونقول إننا لسنا ضد الخصخصة، فنحن من المستفيدين المباشرين منها، ولكن ما سيحدث لا يزيد على نقل ملكية أنشطة حكومية ليد أخرى، وإبقاء المواطن عالة على الدولة الريعية، فسلامة عقل هذا المواطن، وسلامة صحته النفسية كانت وستبقى في آخر سلم اهتمامات الحكومة، على افتراض وجود مثل هذا السلم أصلا!