اين يضع المخنوق يده؟
كتب حجاج بوخضور :
أدى ارتماء الحكومة بأحضان المعارضة المنفلتة سابقا، أو الموالاة المنبطحة حاليا، بنهج المحاصصة السياسية، إلى إخفاق سياسي كبير في ادارة الشأن العام، وانحراف بالممارسة الديموقراطية، وتجذر التناقضات في المجتمع وزيادة اختلالاته، وانتشار ثقافة الاختلافات فيه، وتغذية تيارات الغضب والعنف، وتحفيز مظاهر الاستفزاز الاجتماعي، وتدهور اداء مرافق المؤسسات الحكومية في انتاج الخدمات العامة وارتفاع تكلفتها، وتفشي الفساد الاداري والمالي فيها، وانهيار قيمة العمل وتدني إنتاجيته.
والحقيقة اننا نحتاج الى وقفة جادة لمعالجة هذا الإخفاق السياسي الذي نعانيه منذ فترة في تداعياته على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والتربوية، حتى أدى الى خلق عنف هيكلي وضمور التكامل الوطني داخل المجتمع وعزز الفئوية فيه، وشجع بعض الجماعات على الانفصال عن الدولة والتبعية للخارج.
مخطئ من يعتقد ان اخفاقات التنمية الاقتصادية تنحصر مظاهرها في عرقلة مشاريع التنمية وقلة الانفاق الرأسمالي، فصورها أكثر من ذلك فهي تتمثل في سوء ادارة الثروة وتدني كفاءة توظيفها، وظهور الحرمان الاقتصادي لبعض فئات المجتمع، وهيمنة قوى المال الطارئة وسماسرة السياسة على المؤسسات الاقتصادية ومراكز سلطة اتخاذ القرار، وعدم المساواة الاقتصادية والتباين في الدخول، وعدم كفاءة نوعية وكفاية توفير الحاجيات الأساسية كالتعليم والصحة والمستلزمات المعيشية.
ان ادارة الحوار في قضايا الشأن العام بثقافة الاختلافات، لإقرار قوانين مثل الخصخصة ومنع الاختلاط، سحقت الأنماط والقيم الاجتماعية بين فئات المجتمع حول قيم التنمية وقيم التخلف وأدت إلى الإخفاق الاجتماعي واختلال ميزان العدالة، والتفاوت الاجتماعي والطبقي والتمايز في فرص الحياة بين افراد المجتمع.
أدى الإخفاق في التنمية التعليمية الى تدني مستوى المخرجات التعليمية وارتفاع تكلفتها، وعدم مواءمة المناهج ووسائلها مع التطبيقات التكنولوجية وقيم ومعايير الجودة، واقتصار اهداف التعليم على التلقين والتكرار والحفظ من دون أن تخلق من مخرجاتها جيلاً مبدعاً بناء.
ستشهد الساحة في الايام القادمة تناميا في اعمال التجمهر والاعتصامات وعقد الندوات من التيارات والقوى السياسية وجمعيات النفع العام والنقابات كنتيجة لردة فعل نفسية، يعبر فيها عن التخوف من هاجس اختلال ميزان العدل الاجتماعي واتساع الفجوات الاقتصادية التي تولدت من تضخم تناقضات الاخفاقات السياسية المتمثلة في ترويجها لدعوات المطالبة بتوزيع الثروات على المشاريع الشعبية، كقانون اسقاط القروض ومقترحات الهبات المالية والكوادر الوظيفية.
لقد اصبحنا في أمس الحاجة أمام هذه الاخفاقات الى وجود رجل السياسة المحنك، الذي يتمتع بالحكمة والقيادة والقيم السامية والهمة الوطنية العالية والقدرة على جمع الفرقاء، لضبط إيقاع المجتمع وتوحيده والسير به باتجاه هدف واحد هو الاستثمار في المواطن كمحور رئيسي لتحقيق تنمية حقيقية.