محمد حنفي
شئت أم أبيت فالطقس يتحكم في حياتك، هذه حقيقة لا جدال فيها، خاصة إن كنت تعيش في الكويت حيث يمكن أن تشاهد الفصول الأربعة في دقائق معدودة. فالطقس هو الذي يحدد لك موعد خروجك مع عائلتك، أو يصدر فرمانا بجلوسكم في البيت ربما لعدة أيام. التحقيق التالي عن استبداد الطقس بحياتنا.
الإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به تأثرا كبيرا، والطقس من أكثر الاشياء التي تؤثر في حياة الناس ومزاجهم، خاصة في السنوات الأخيرة، هكذا يبدأ الاستشاري النفسي والاجتماعي د. خضر بارون الذي يقول:
- لم يعد هناك جدال في أن الظروف الجوية أصبحت ذات تأثير طاغ على حياة الإنسان، خاصة في ظل التقلب المناخي الذي يعاني منه العالم كله، ونحن في الكويت لسنا استثناء، بل ربما نحن من أكثر الناس تأثرا بالطقس الذي يتقلب في اليوم الواحد عدة مرات، ما بين برد ورطوبة وغبار وحر.
لكن هذا التأثير يتوقف على نظرة الشخص نفسه تجاه الطقس، فهناك من يفضل الشتاء والبرد والمطر على الصيف، بينما شخص آخر قد يرى طقس الشتاء بكل مظاهره كئيبا ويفضل الصيف، وفي كل الأحوال هذا دليل على تأثر الإنسان بحالة الطقس.
يتحكم في مزاجك
ويشير د. بارون إلى أن حالة الطقس لها تأثير كبير في الحالة المزاجية والنفسية:
- إذا نظرنا إلى حالة الطقس في الكويت حيث الشتاء قصير والصيف يمثل معظم فترات العام بما يحمله من حرارة وغبار، نجد تأثر الناس بهذا الطقس واضحا وجليا. والدليل على ذلك حالة الناس في يوم العطلة، فعندما يكون الطقس جميلا نجدهم يخرجون ويستمتعون بالعطلة، بينما في أيام الطقس السىء، مثل أيام الغبار السابقة، نجد الكل قابعا في المنزل في مزاج سىء.
كما أن أكبر دليل على تأثر الناس بحالة الطقس أن الإقبال على متابعة النشرات الجوية يتزايد في أيام الطقس السىء، لأن الناس يريدون الخروج من هذه الحالة، فيتابعون باهتمام الوقت المتوقع لانتهاء موجات الحرارة أو الغبار أو الرطوبة.
وقد نلاحظ تأثر مزاج الناس بحالة الطقس في مثال آخر واضح في أيام الحر الشديد، فنجد أن الشخص يفقد أعصابه بسرعة وتزيد المشاجرات على أتفه الأسباب. ولك أن تلقي نظرة على الأماكن التي يراجع فيها الناس في أيام الطقس الجيد والسىء، ستجد أن المشاحنات أكثر في أيام الطقس المتقلب، خاصة في أيام الصيف الحارة. فهذا الطقس يزيد الضغط على الناس فيصابون بالتوتر والقلق وتزداد استثارتهم الانفعالية لأتفه الأسباب، وتزداد بفعل الحرارة الشديدة عدوانية البعض، وبسبب هذا تزداد المشاحنات والمشاجرات وحالات العنف في الشارع وفي العمل. ويمكن أن يصل الأمر حتى إلى البيت، خاصة فى اللحظات التي تكون بعد القدوم من جو حار وخانق، وكثير من المتخصصين يربطون بين ارتفاع درجات الحرارة وبين زيادة عدوانية الإنسان.
الجريمة تزيد في الحر
من جهته يؤكد المحامي محمد طالب تأثير الطقس في الأشخاص من ناحية أخرى، حيث يؤكد أن الطقس السىء، خاصة الذي ترتفع فيه الحرارة بشكل ملحوظ، يزيد من معدلات الجريمة. يقول:
- من المؤكد أن الطقس يؤثر في المزاج وفي الحالة الانفعالية للأشخاص، بل إن علم الجريمة أفرد الكثير للحديث عن علاقة الطقس السىء بالجريمة. كذلك أكد العديد من الدراسات في الكثير من دول العالم أن الطقس السىء، خاصة شديد الحرارة، يزيد معدلات ارتكاب الجرائم. وبحكم خبرتي القانونية ألاحظ ذلك وأتفق معه تماما.
هذه الدراسات توصلت إلى أن معدلات الجريمة تزداد في فصل الصيف، خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، وتتنوع هذه الجرائم بين السرقة والاعتداء على الآخرين والاغتصاب والعنف بين الأزواج.
يسبب أمراضا عضوية
لكن هل يمكن أن يسبب الطقس السىء الإصابة ببعض الأمراض العضوية؟
يجيب د. عبد النبي العطار، استشاري الأمراض الباطنية ورئيس وحدة السكر بالمستشفى الأميري، قائلا:
- لا يوجد نقاش في أن الطقس السىء، خاصة ذلك الذي ترتفع فيه درجات الحرارة، يلعب دورا كبيرا في الحالة النفسية والعضوية للإنسان. وأكثر الأدلة وضوحا من الناحية العلمية والطبية أنه في الدول التي تغيب فيها الشمس لشهور طويلة من العام، ترتفع معدلات الإصابة بمرض الاكتئاب، بل ربط الكثير من الدراسات ذلك بزيادة معدلات الانتحار أيضا. قد لا يكون الطقس السبب الوحيد، لكنه عامل مهم ومساعد في هذا الأمر.
أما في الدول التي يتميز طقسها بالتقلب وارتفاع درجات الحرارة بمعدلات قياسية مثل دولة الكويت، فلا شك أنه يؤثر في الحالة النفسية والبدنية، فكلما زادت درجة الحرارة أدى ذلك إلى حدوث تغيرات كيماوية في جسم الإنسان، فتكون ردة الفعل عنيفة، والكثير من الأطباء يحذرون من الانفعال الشديد لأنه قد يساعد على الإصابة بالعديد من الأمراض.
كما أن التعرض مثلا للطقس شديد الحرارة يمكن أن يؤدي إلى ضربة شمس وفقدان السوائل والموت أحيانا. وسواء سبّب الطقس السىء مرضا نفسيا أو عضويا، لابد أن نلاحظ أنه توجد مساحة متداخلة بين بعض الأمراض النفسية والعضوية.
لكن في النهاية يتوقف الأمر على تأقلم الإنسان مع محيطه، فمن يعيش لسنوات طويلة في بلاد باردة من الصعب أن يتأقلم مع شدة الحر في الكويت. والسن يلعب دورا أيضا، فتحمل الرجل الكبير يختلف عن تحمل الطفل. لكن يجب أخذ الحذر لأن الطقس المتقلب، خاصة مع درجات الحرارة العالية، لا يؤثر في مزاجنا وحسب وإنما قد يؤدي إلى حدوث أمراض عضوية أيضا.
تشاؤم واكتئاب وعدم رغبة في العمل
يشير د. بارون إلى أننا في الكويت نفتقد دراسات محلية تشير إلى تأثر الناس بأحوال الطقس من الناحية النفسية والمزاجية، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن العديد من الدول الأخرى اهتموا بها ودرسوا تأثير حالة الطقس السيئ في مزاج الإنسان ورصدوا العديد من الظواهر المتعلقة بالأمر مثل: التشاؤم، انخفاض الطاقة، عدم الرغبة في العمل، ووصل الأمر كما يقول بارون إلى حد الإصابة بالاكتئاب بسبب سوء الطقس.