أنا والعاقل.. والجاهل!
كتب حجاج بوخضور :
يقول أبو حنيفة: أنا مع من يختلف معي مثل رجل ضاعت ناقته في الصحراء، فهو يريد الناقة، فلا فرق عنده هل هو الذي سيجدها ام آخر؟ والشافعي يقول: «رأيُنا خطأ يحتمل الصواب، ورأي غيرنا صواب يحتمل الخطأ».
وانا أقول: علينا ان نفهم من الاختلاف سمة التطور وضمانة الوجود، فلولا اختلاف الرجل عن المرأة في الجنس لما كان هناك خليفة في الارض، ولولا اختلاف الليل والنهار لما كانت الايام والصيف والشتاء وتعاقب الفصول والسنوات، ولولا اختلاف درجات الحرارة لما تصاعدت كتل الهواء والبخار وتحركت الرياح وتساقطت الامطار، ولولا اختلاف الالوان والمأكل والاشباه لما تمايزت الاذواق.. وهكذا الى آخر الاختلافات التكوينية والكونية والتنظيمية والتشريعية، لكي تستمر الحياة.. فالاختلاف رحمة.
ولكن -للاسف- اصبح الشأن العام في الكويت محموما بالحوار العقيم وثقافة الخلافات التي ادت الى تضييق قنوات الحوار وتكميمها، وعزّزت الشعور بالظلم والاحباط والسخط وكرّست العنف والتزمّت والتخلف، ولن نخوض في اسباب ذلك، فهي معروفة.
الانسان منا يحتاج الى الاتفاق، مثلما يحتاج الى الاختلاف، ولكل منهما موضع في النفس البشرية، حيث تتنازع «الانا» دوافع الاتفاق مع الآخر حينا كي تشبع حاجتها من الطمأنينة والامان والانتماء، وحينا آخر تميل الى دوافع الاختلاف مع الآخر كي يشعرها بالتميز والزهو والاستقلال وحب الذات.
ومفهوم حق الاختلاف يتضمن حق حرية التعبير والتمتع بمختلف الحاجيات والحقوق والحريات الاساسية من دون ان يضطهد الواحد منا او يقمع او يتمايز بعضنا على الآخر، والضامن لهذا الحق هو الفهم والتطبيق الصحيح لتعاليم الدين والدستور.
كم نحن في أمس الحاجة الآن الى التحول من ثقافة الخلافات الى حق الاختلاف المشروط بضوابط احترام الآخر والاقرار له بحرية الرأي والتعبير، بما يعزز من الوحدة الوطنية والاتفاق على القضايا المصيرية والتعبير عن الرأي بمسؤولية في حوار مؤثر وفاعل من فوق المنابر السياسية والدينية والعلمية لادارة عجلة التنمية وبث روح التآلف والإخاء والتعاون بيننا.
الحوار الناجح والمنتج هو الذي يقوم على الحكمة والمعرفة والامانة والمصداقية ويزيد من اسباب التواصل ويقوي الاواصر بين افراد المجتمع، ولا يؤدي الى بذر الشقاق بينهم. وخلافه ما قام على جهل ونفي للآخر وتخطئة له لارضاء نزعة نرجسية «الانا».
وختاما، أتمنى ان يأتي اليوم ليقول جميعنا اننا نبحث عن الحق لا يفرُق معنا ان كان عن لساننا او عن لسان غيرنا. فكم هو جميل ذلك الاختلاف القائم على الحكمة والمعرفة واتساع افق الاطلاع. وكم هو اجمل «حينما أختلف معك في الرأي وأنا على استعداد لان ادفع حياتي ثمنا لحريتك»، كما قال فولتير.