aowd25
مدير الموقع
الأوسمة :
| موضوع: يا فكيك 17/6/2010, 8:25 pm | |
| أثناء زيارتي الاخيرة القاهرة، كنت أمشي مع بعض الأصدقاء في شارع المعز، الذي أصبح بمنزلة متحف مفتوح للآثار الاسلامية، بعد ان تم تطويره وترميمه وإغلاقه امام السيارات وتحويله إلى مزار سياحي يعج بالمعارض الفنية والتراثية، هناك لمحت صبيين لا يتجاوز عمرهما السابعة أو الثامنة يتغامزان ويؤشران نحوي، تجاهلتهما وأكملت سيري وأنا أراقبهما من طرف عيني. فجأة ركض الصبيان باتجاهي وهما يتضاحكان ويتجادلان، وكأنهما متراهنان على قضية ما. راح الاول يصرخ بالإنكليزية: «واط إز يور نيم؟» (ما اسمك؟)، بينما يسأل الثاني بالعربي: «هي الساعة كم؟». لم أجب، وتصنعت الجدية وأنا أحاول أن أكتم فرحي بحديثهما، فزادا في شقاوتهما البريئة وأنا مستمتعة بوجهين اصطبغا بالشمس وتلوثا ببقايا أكلهما ولعبهما. عادا يسألاني الأسئلة نفسها بنبرة أعلى، فحاولت ضبط لهجتي على المصرية وأجبتهما بدعابة (وانتو مالكو؟!)... فالتفت احدهما الى الآخر صارخا «مش قلتلك مصرية؟!» ثم أسلما أرجلهما للريح وقالا.. «يا فكيك». مثل هذه الحوادث الطريفة لا تحدث إلا عبر الاحتكاك بالناس في أماكنهم الطبيعية، فالحياة الحقيقية لا تجدها لا في المتاجر الفخمة ولا في المطاعم الراقية ولا في «المولات»، الحياة الحقيقية للناس لا تجدها إلا في الشوارع. إن ذهبت الى القاهرة، بيروت، دمشق، لندن، باريس، روما.. لا يمكنك ان تتعرف على تلك المدن وتختبرها بصدق إلا عبر المشي في شوارعها والتسكع بحاراتها والالتقاء باهلها وناسها. فالمشي هو أجمل طريقة لمعايشة الناس على طبيعتهم والالتقاء بهم وجها لوجه لا عبر كاميرات التلفزيون ولا من خلال صفحات الجرائد. شاءت الأقدار ان نكون نحن ودول الخليج عامة محرومين من نعمة المشي لأسباب مناخية لا حيلة لنا بها، لذلك يقتصر استخدام الأقدام عندنا على قطع المسافة بين باب البيت وباب السيارة أو باب المكان الذي نقصده.. فقد المشي عندنا وظيفته التاريخية كوسيلة للوصول حتى كاد يقتصر على ممارسة الرياضة فوق الاجهزة أو في الممشى المخصص للمنطقة كواجب نؤديه نزقين متعرقين ننظر إلى الساعة كي تمر الفترة المطلوبة. المشي اسلوب حياتي صحي مجاني وممتع بعيدا عن زيف الصالونات الفاخرة والكلمات المعلبة والناس البلاستيك. ففي بلادنا لا نلتقي إلا من هم مثلنا ولا نتعرف إلا على من يشبهنا، فإن سافرت إلى مدن يسهل بها المشي فانتعل حذاء مريحا واكتشف المدن وأهلها سيرا على الأقدام.. فليس أمتع وأجمل من الضياع في طرقات لا تعرفها.. وصبي شقي يسألك «واط إز يور نيم؟». | |
|