هاتفتني وكانت حشرجة صوتها تحجب حروف كلماتها، طلبت منها أن تهدأ ولكن لم تستطع، وأصرت أن تـقابلني فحددتُ لها موعدا في مكتبي فحضرتْ، وكأنّ في حضرتها الملائكة، امرأة عرفتُ من نظرتها عمقا بالغا وقلة من لديهم عيون ناطقة، وتوزن ثقتها بأمّة كاملة، لا ينقصها شيء ولكن...
بدأت تسرد قصتها، وبين كل فصل من القصة تـقول: «أبي شورج»، وأرد بقلبي: «مفصّخ لافي على حافي»!!
تقول «سلمته قلبي ومكنـته من نفسي ووثـقـت به، وكان زمامي بيده، تزوجته بعد قصة حب هو بدأها ولم تتعد الشهر، فأنا وهو لدينا تجربة زواج سابقة، وفي مرحلة عمرية ظننت أنها تقدر على الحكم الصائب على الأشخاص، وبعد أن قدم كل مواثيق الدنيا والآخرة بأنه الزوج المنتظر، قبلت، وبعد أشهر قليلة من زواجنا أنا بانتظار ورقة طلاقي»، قلت: وأين الجديد؟ أختي هذه حكاية كل نساء الأرض مع الرجال مع اختلاف التفاصيل وموعد وصول الورقة، وقلة من الزيجات تستمر، وصدقيني إن استمرت فبسبب الزوجة، أين المشكلة؟
فقالت: «المشكلة في رؤيتي للأمور، لقد تغيرت مفاهيمي التي آمنت بها لعقود، بعد أن مر على الخلاف ثلاثة أشهر وتلاشت موجات جنون غضبه المفرط وعناده يريدني أن أعود، وهو لا يدري بأي شأن صرت خلال هذه الأشهر الثلاثة، وأن شهور زواجي منه أيضا غيرت ملامح شخصيتي، فأنا لست أنا». أحببت هذه السيدة الراقية وعجبت كيف يملك الحب سلطانا يعيد كتابة تاريخ إنسان رغم أنفه، قلت: اقرئي كتاب «نسيانcom» أو «نسيانكم» للمبدعة أحلام مستغانمي، تقول: «انسيه كما ينسى الرجال»، وعندما قرأت هذا العنوان فهمت أنها تريد أن تقول لنا معشر النساء أن الرجل ينسى المرأة بسرعة الضوء بينما هي «لطم وندب حظ»!! وسخرت كتابا يعلم الأنثى كيف تنسى بأسرع من سرعة الضوء، فقالت بجزم: «أستاذة أنا أحبه وأعلم جيدا كمعرفتي لنفسي أنني لن أعود له، وأريد رأيك لأنك رافقتني ككاتبة منذ زمن وأرى أنك ستفهمين معنى هذا التناقض بداخلي وتستطيعين أن تساعديني على تجاوزه».
شمرت عن عقلي وقررت أن ابدي لها رأيي من باب «الأخوة في النضال» في المقال المقبل، وحتى آنذاك قلت: انظري إلى عينيك في المرآة، وستعلمين أن كل شيء حوله سيذكره بخسارته، وأنّ أكبر خسارة له أنه لم يعرف ماذا كسب في الأصل، وإن لم تعلمه ثلاثة أشهر معناك. عنده، فلن تفعل ثلاثون عاما معه، فاختصري الألم.
كتب خلود عبدالله الخميس : |