رجله في القبر ولا يحتشم
بعد أن انتشرت ظاهرة الاعتداءات الجنسية، وفاحت رائحتها حتى زكّمت الأنوف، وأصبحت الجرائد اليومية لا تخلو الواحدة منها من هذه الأخبار الصادمة.. نريد أن نسأل كل مختص وكل مهتم، وكل مسؤول، ما الذي يجعل رجلاً في الستين من عمره، القيام بسلوك مناف للقيم الإسلامية، ويأبى أي شاب مراهق ارتكاب مثل هذه الجرائم؟.. أهو مرض نفسي نتج بسبب التهتك الأخلاقي والانحلال القيمي الذي أصاب الناس؟ أم هو جوع جنسي، يدفع بالظامئين إلى البحث عن أي وسيلة لإفراغ ما في أجوافهم من شبق عارم؟.. عندما تنتشر ظاهرة، وتصبح شبه وباء، لا بد أن تحفز الجهات ذات العلاقة، المختصين في علوم الاجتماع، والنفس، والاقتصاد، لينكبوا ويدرسوا، ويبحثوا، عن الأسباب ليجدوا الحلول، ولحماية المجتمع من أمراض فتاكة ومقيضة للحلم الإنساني في العيش في مجتمع آمن، ومستقر.. لا ينبغي أبداً أن تطلق التصريحات فقط لتعداد الجرائم ثم السكوت عنها، لتتحرك هذه الجرائم من تحت رماد المجتمع، حتى تصبح حريقاً هائلاً لا تفيد معه وسائل الإسعاف والإنقاذ، ولا أساليب إخماد الحريق، ولا سيارات إطفاء الحرائق.. فعندما يبلغ الأمر بأن يقوم رجل طاعن في السن بهتك عرض ذكور “وليس عرض إناث” فهذه معضلة لا بد من الوقوف أمامها، وتقصي حقيقتها والبحث عن أسبابها، وقبل العقوبات لا بد من إجراءات أهم، لا بد من الوقاية، لا بد من الحماية، لا بد من تعاون وزارة الداخلية مع الصحة، مع الجامعات والمؤسسات العلمية، لنخرج باستنتاج علمي يقطع دابر مثل هذه المآسي، التي باتت تؤرق المجتمع وتقف عقبة أمام سمعته ونهضته، لا يمكن أن تترك الأمور هكذا دون الفحص والتمحيص ودون الأخذ بالاعتبار، أن ما يهتم به في العلن قد يكون أقل بكثير مما هو يجري في الباطن، وتحت جنح الظلام.
مجتمعنا مفتوح على آخره، وأشكال وأصناف من البشر تدب على ترابه، وهذا التراب غال وعزيز، ولا ينبغي أن يُدنس من قبل بعض الملوثين، والخربين، لذلك يجب أن تهب الجهات المختصة، بتشكيل فريق عمل مكون من أفراد أكاديميين، متخصصين، يعالجون المشكلة بأدوات علمية، لا بانطباعات، وقرارات متسرعة، لا تخدم غرضاً، ولا تعالج مرضاً.. فالإعدام وحده لا يكفي، وقرارات المحاكم تالياً وبعد حدوث الجرائم لا تحل إلا جزءاً من المشكلة بينما تبقى جذور الظاهرة متسربة في نسيج المجتمع، وتكبر وتنمو، وتتزايد، وتنتشر، حتى تصبح وباء حقيقياً لا تفيده العلاجات أبداً.. وحتى نساعد المحاكم وحتى نقلص أعباءها، لا بد من تدخل سريع، ووقاية مفيدة، تغير المجتمع وتحمي البشر من الذئاب التي كشَّرت عن أنيابها، بفعل أسباب كثيرة أهمها الإهمال، من قبل الأسر، والتساهل في غياب وحضور الأبناء، والاعتماد الكلي على السائق والخادم، وسواهما.. نقول الظاهرة لافتة، وخطيرة، ولا بد من إقصائها عن مجتمعنا بأساليب واعية ومدروسة.
علي أبو الريش