هاي .. كيف الحال
لا تجد شاباً يحييك بالعربية هذه الأيام، الكل يبدأ بالجملة الشهيرة: هاي .. كيف الحال ؟ لا فرق بين الشباب والبنات وتحديداً طلاب وطالبات الجامعات، الخاصة قبل الحكومية، لكن اللافت أن طلاب المؤسسات الخاصة أكثر جرأة على الإعلان عن مواقفهم وتوجهاتهم، وهم أكثر قدرة على التعبير عن تناقضات الجيل الثقافية، في الوقت الذي لا يعتقدون ولا يشعرون أنهم يعيشون أو يعانون أي نوع من التناقض، بل على العكس فهم يرون في تعاطيهم مع اللغة ومفردات الثقافة المختلفة حالة من العملية البراجماتية إن جاز لنا التعبير!
الحياة لا تحتمل التعقيد كما يقول هؤلاء الشباب، وما تحويه من مصاعب ومصائب وتعقيدات ومخاطر تجعل من المفترض على الإنسان أن يحاول تبسيط حياته لا تعقيدها، وموضوع اللغة من وجهة نظرهم لا بد من التعاطي معه على اعتبار اللغة وسيلة وليست غاية في ذاتها، وسيلة للتفاهم والتعامل والتقارب بين الناس في المجتمع الواحد وبين هذا المجتمع وبقية المجتمعات الإنسانية، لا أكثر، بمعنى أننا – من وجهة نظر كثير من الشباب – يجب ألا نحمّل اللغة كمفردة ثقافية أكثر مما تتحمل، معتبرين أنها الحصن الحصين والمتراس الذي يتوقف عليه حماية وجودنا ضد التهديدات الخارجية!
لا يمكن الإيمان بهذا الرأي على علاته، فاللغة وسيلة تفاهم وتقارب، وقد جعلنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف، واللغة بلا شك إحدى طرق التعارف، لكننا يجب ألا نحصر اللغة عند هذا الحد ونحبسها في هذه المهمة الضيقة فقط، فاللغة إحدى أهم ملامح الشخصية لأية أمة من الأمم، ولولا ذلك ما حاولت أمم وجيوش وممالك أن تفرض لغتها على سكان البلاد التي حاربتها وسيطرت عليها، فلولا أهمية اللغة لما حاولت فرنسا “فرنسة” المغرب العربي، ولولا خطورتها ثقافياً ووجدانياً لما حاول الإنجليز فرض لغتهم على نصف سكان الكرة الأرضية، ولولا حساسيتها لما صرفت هوليوود كل هذه المليارات لتثبت تفاصيل الثقافة الأميركية عبر الفن والسينما والإعلام والمجلات والأغاني والإنترنت والكتب و.. إلخ.
لقد غدت عبارة : هاي كيف الحال ؟ أو هاي هاو آر يو ؟ تعبيراً حقيقياً عن حالة ضياع أو ارتباك ثقافي لدى أبناء كثير ممن المجتمعات العربية الشرقية كما أصبحت عبارة : هاي كيفك .. سافا ، تعبيراً موازياً للحالة ذاتها عند أبناء المجتمعات العربية الفرانكفونية كبلاد المغرب العربي ولبنان مثلاً، وهي وإن كانت تتناسب وتتسق مع طبيعة حياتهم وسلوكياتهم ومستوى تحررهم ومظهرهم، إلا أننا لا يمكننا التعامل معها على أنها تعبير عملي صحيح وسليم عن طريقة تفكير الشباب في رؤيتهم للغة.
فطريقة التفكير والحياة البراجماتية والعملية هي في حقيقة الأمر ميزة يتمتع بها كل شباب العالم مع تفاوتات في مستويات التعليم والثقافة والاقتصاد، ومع ذلك فلا تبدو قضية الارتباك بالوضوح التام إلا عند شبابنا العربي في كل البلاد العربية، ما يدل على أن الاستعمار الغربي قد نجح كثيراً أو ربما ساعدناه نحن على النجاح في تحقيق هدفه المتمثل في زرع جرثومة القابلية للاستعمار في نفوس أبنائنا، فهذا الانتماء والانحياز والتباهي بلغة غير لغتهم بل إن الإحساس بمدى جمالياتها واستسهال استعمالها دليل أكيد على ارتباكهم الثقافي المؤكد !