الترفيه المباح.. عون على العلم والعبادة
يروى انه مكتوب في حكمة آل داود عليه السلام: حق على العاقل ألا يغفل عن أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يخلو فيها مع إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلو فيها بين نفسه وبين لذتها فيما يحل ويجمل، فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات وإجماما للقلوب. وحق على العاقل ألا يرى ظاعنا في غير ثلاث: زاد لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم. رواه الحافظ ابن أبي الدنيا في كتاب العقل وفضله عن وهب بن منبه، فكما ان الحكمة والعقل يقضيان بأن المرء لا بد له من وقت يروح فيه عن نفسه، فإنهما يقضيان في الوقت ذاته ان ذلك لا بد ان يكون نائيا عن مساخط الله، بعيداً عن محارمه، فيتمتع المرء بما أحل الله دون ان يتعدى حدوده. قال تعالى: «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا انه لا يحب المسرفين * قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون». وهذا القدر المعقول من زينة الدنيا ومتاعها المباح، الذي يستعين به المؤمن على سيره الى الله، هو الذي عناه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حنظلة المشهور، حيث قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظنا فذكر النار، قال: ثم جئت الى البيت فضاحكت الصبيان ولاعبت المرأة، قال: فخرجت فلقيت أبا بكر فذكرت ذلك له فقال: وأنا قد فعلت مثل ما تذكر، فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله نافق حنظلة! فقال: مه؟ فحدثته بالحديث فقال أبو بكر: وأنا قد فعلت مثل ما فعل. فقال: يا حنظلة ساعة وساعة، ولو كانت تكون قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلم عليكم في الطرق. رواه مسلم. وحد الاعتدال المطلوب هو ان يجمع المرء بين مصالح دينه ودنياه، وبين أداء حق ربه وحق نفسه وحقوق من حوله، فيضع كل شيء في موضعه، ويعطي كل ذي حق حقه. فلا يوجد تعارض بين القيام بأنواع العبادة، ومنها تعلم العلم وسماع الدروس والخطب ونحو ذلك، وبين الترفيه المباح والترويح عن النفس، بل ينبغي أن يحتسب العبد الأجر على ذلك، كما في كلام وهب السابق: فإن في هذه الساعة عونا على تلك الساعات وإجماما للقلوب.