صديقي ..
هب أنني وضعت لك لوح خشب طوله 30م وعرضه 5م على الأرض وطلبت منك أن تمشي فوقه، بالتأكيد ستجري فوقه سريعا، وأنت تردد «ما هذا التحدي السخيف؟»
هذا التحدي التافه سيصبح خطيرا إذا أنا وضعت لك اللوح فوق عمارتين شاهقتين، ولن تجري على اللوح، وستكون أكثر حذرا، وربما تزحف فوق اللوح إن كان التحدي مغريا، أو لن تخوض هذه التجربة أبدا، مع أنك كنت تجري عليه وهو على الأرض، ما الذي اختلف عليك؟
بالتأكيد لوح الخشب لم يتغير حجمه، قد تظن أن الأمر مرتبط بالارتفاع، وهذا غير دقيق؛ لأنك إن تغلبت على مخاوفك ومشيت على اللوح وكررت التجربة، مع الوقت ستجري فوق اللوح كما أول تجربة وهو على الأرض.
بعبارة أوضح الارتفاع لا يتدخل كثيرا في الأمر، بيد أنه يحرض مخاوفك، وخوفك سيحرض خيالك على استحضار حجم الألم الذي سيحدث لك إن سقطت من هذا العلو، وربما سيستحضر موتك، بمعنى أن خيالك الذي سيطرت عليه مخاوفك تحول إلى قيود تمنعك من التقدم فوق اللوح القابع فوق العمارتين.
إذن الخيال هو المسؤول الأول عن ترددك، فهو وبسبب سيطرة الخوف عليه استحضر صورا أرعبتك، وجعلتك تكف عن المضي قدما فوق اللوح.
هذا الخيال هو أيضا المسؤول عن كل ما وصلت له البشرية من تطور، تخيل إنسان الانتقال من مكان لآخر بطريقة أسرع فروض الحصان لأنه أسرع، تخيل آخر سرعة أعلى فاخترع السيارة، بداية صنع الطائرة كانت خيالا محضا، كل إبداع بشري بدأ من بوابة الخيال قبل أن يصبح واقعا.
أرأيت كيف هو الخيال يأخذك إلى التطور حين يكون حرا، بيد أنه يعيقك ويحضر لك صورا ترعبك إذ تسيطر عليه مخاوفك؟
ما أود قوله يا صديقي: إن المجتمعات التي تبث المخاوف في صدور أفرادها، تدفعهم للتعامل مع كل جديد بخوف ورعب، وأن هذا الجديد إما شيطان متخفي أو فساد.
لهذا لا يمكن لمجتمع ما أن يتطور وهو يسجن خيال أبنائه داخل الخوف، ولكن هل تعرف لماذا يفعلون هذا؟
هم أيضا ومنذ الصغر بثت في عقولهم قصص الرعب، فأصبح خيالهم وبسبب الخوف لا يحضر لهم إلا صورا مرعبة كلما شاهدوا شيئا جديدا، أقول هذا حتى لا تظن أنهم مجرمون فقط.