العيد مرّ من هنا !
فهد السلمان
لم نكن نذهب للعيد .. كان يأتي إلينا .
يأتي إلينا .. في بيوتنا .. في شوارعنا .. في حاراتنا المظلمة ، كان يأتي إلى قلوبنا فيغسلها بالفرح ، وإلى نفوسنا فيجدد إحساسنا بالقدرة على الابتهاج والبسمة في وجوه من نعرف ومن لا نعرف .
الآن .. هم يقولون لنا : ابتسموا ، لا تتشاءموا ، تفاءلوا .. دعوا الناس تفرح بالعيد .. لكنهم لم يقولوا لنا : أين هو العيد ؟ .
سلمناه بطوعنا واختيارنا إلى جهات لا علاقة لها به كالأمانات والبلديات ودوائر السياحة ، وباعته هذه بلا ثمن على مؤسسات ربحية .. نقلته بدورها إلى أطراف المدن والمحافظات ، وأقامت حوله السياجات ، وجعلت العبور إليه بتذكرة مدفوعة الثمن ، وإن أتاحته بالمجان سمحت لمن يستغله ليبيع عبوة الماء بجواره بضعف الثمن ، متى كان العيد يباع ويشترى ؟ ومتى كان العيد من مهام البلديات أو دوائر السياحة ؟ ومتى كان العيد يعتقل بشبك أو من وراء جدر ؟
العيد ليس من بين مهام البلدية لأنه ليس خدمة مدنية ، ولا هو من مهام السياحة لأنه ليس مرفقا ولا معلما سياحيا يمكن أن يضاف إلى برامجها إلا كجهات داعمة ليس أكثر . العيد شأن اجتماعي مشاع يخص الجميع ، وأولى الجهات برعايته هي وزارة الشؤون الاجتماعية التي انزوت نشاطاتها بين أمرين إما كبنك للضمان أو دار للأيتام والعجزة .. رغم أنها في تقديري الجهة الوحيدة المعنية بإيقاظ الحس بالفرح بين الناس ، ونزع غلالة العبوس ، وترويض تلك الصرامة التي تغلف بعض الوجوه .
وزارة الشؤون الاجتماعية لو قامت بدورها مثلما ينبغي ( وأعتقد ) ، ولو توفر لها من الاعتمادات المالية ما يوازي حجم مسؤوليتها في تعديل وشائج التواصل الاجتماعي بين الناس ، وإجراء الدراسات والأبحاث المتخصصة في طبيعة الظواهر الاجتماعية واستعانت بمتخصصين من مختلف المجالات لحلحلتها .. لشكّلت خط الدفاع الأول في مواجهة الغلو والتطرف والتفريط وكل الانحرافات . ولأسهمت في إعادة ترميم مظلة التسامح التي مزقتها أنواء التزمت من جهة ، والتجاذبات من الجهة الأخرى . وزارة الشؤون الاجتماعية لو آمنت بأن العيد شأن اجتماعي من صميم واجباتها ، وطورت أدواتها لاستثماره في بناء الشخصية الاجتماعية السوية ، وأدركت أنها معنية بكل السلوكيات الاجتماعية لكان لها شأن آخر .
أعرف أنني أتحدث عما يشبه الحلم ، ولا بأس أن نحلم من حين لآخر لنشعر بذاتنا ، ولابد أن الحلم سيكون أكثر مشروعية حينما تختلط الأمور ، وتجد البلديات أن العيد بند من بنودها ، كعصا المكنسة ، وشتلة الشوارع ، ورقعة الإسفلت ، أو تجد فيه هيئة السياحة عنوانا لنشاط عابر يسد ثغرة مؤقتة في برنامجها الشحيح . فيما الشأن الاجتماعي بمسلكياته وظواهره ومشكلاته ، وبكل مندرجاته ومنعطفاته تتقاذف مسؤوليته كل الجهات .
عيد سعيد ، وكل عام وأنتم بخير .