حمار مظلوم
تكبر وتتعاظم في هذه الأيام الحملات الاحتجاجية والتظاهرات والكتابات والريبورتاجات واللقاءات، بشأن انحسار مصادر القوت والغذاء على سطح الكرة الأرضية، وذلك بفعل التصحر وتبدل المناخ من جهة، وبسبب التلوث الهائل الذي أحدثه ويحدثه الإنسان من جهة ثانية من خلال مصانعه ومعامله ونفاياتها على اختلاف أنواعها من المواد المحترقة والغازات السامة.
في خضم هذا الضياع الشامل والخوف من الزمن الآتي، نشطت جمعيات الرفق بالحيوان، وعلماء البيئة والمحافظة على بعض الكائنات الحيوانية من خطر الانقراض والزوال، ولقد كانت الحماسة والاندفاع، بل والرغبة تجاه الحيوانات والحشرات ـ في أحيان كثيرة ـ أقوى وأفعل من أي نشاط أو فعالية طاولت وحرصت على حماية وجود الإنسان وصون كرامته وحريته ومصادر غذائه!
فمنذ مدة انطلقت حملة كبيرة لانقاذ «الحمار القبرصي» من التناقص، واتخاذ كل التدابير لضمان بقائه عبر العمل على تناسله وتكاثره، لكونه مميزاً ومتفرداً بمواصفاته، لا سيما أن وجوده على أرض جزيرة «قبرص» وحدها قد شكل معلما «خاصا» للجزيرة، وبات جزءاً من تراثها بقسميها التركي واليوناني! ولقد كلفت لجنة مشهود لها بالأمانة التاريخية، لوضع آلية علمية لحماية هذا الحمار والمحافظة عليه، وتضم قبارصة أتراكاً ويونانيين، وذلك بعد العثور في محمية «كارباس» شمال الجزيرة على عشرات الحمير مقتولة بالرصاص في مارس الماضي؟
ولحض وتحفيز السكان على الانخراط فعلياً في حملة الحماية هذه، نظمت اللجنة المكلفة وبشكل حضاري مراسم دفن مهيبة للحمير المقتولة وذلك على أحد المواقع الإلكترونية، ثم اختتمتها «فعلياً ومشهدياً» على أحد شواطئ المحمية التي تحولت منذ ثلاثين سنة إلى ملجأ وملاذ ومرتع لهذا الحمار.
ويقال ان «مقتلة» الحمير هذه، قد سبقتها مجازر عدة من قبل أصحاب المزارع وشركات العقارات بحجة أن هذه الحيوانات بأعدادها «الفالتة» قد أتلفت مزروعاتهم، وأن المقاولين على عجلة دائمة من أمرهم لاطلاق أعمال ومشاريع البناء في إحدى آخر المناطق المحمية على الجزيرة المقسمة منذ العام 1974.
والحمار القبرصي ـ أعزك الله ـ المتأصل في الجزيرة منذ آلاف السنين، اشتهر في الشرق الأوسط بحجمه الكبير وقوته وقدرته على التحمّل، ففي العام 1943 كان لدى الجيش البريطاني 23 ألف حمار قبرصي!!ولقد صُدّ.ر منه العديد وبكثافة إلى لبنان ومصر وسوريا والسودان، وبعد مرور أكثر من ستين سنة كشفت دراسة ميدانية أنه لم يعد في الجزيرة سوى 800 حمار فقط، جميعها مهددة بالانقراض.
وقال أحد المؤرخين القبارصة: ان جهود المجموعتين، القبرصية اليونانية، والقبرصية التركية المولجتين بوضع الخطة لحماية «حمارنا» المشترك قد تسهم في تحقيق السلام، و«توحيد» الجزيرة، لأن هذا «الحمار» هو وحده الأصلي والأصيل.
وهكذا، فان «الحمير» ستكون من العوامل الناجعة والقوية المساهمة في تحقيق الوحدة بين شطري الجزيرة واشاعة الوئام وترسيخ التفاهم والتآخي بين الجميع.