يقول الطبري: «إن الظالم إنما يظلم غيره، ليزداد، إلى عزه. عزة بظلمه إياه، وإلى سلطانه سلطانا، وإلى ملكه ملكا، لنقصان في بعض أسبابه، يتمم بما ظلم غيره فيه ما كان ناقصا من أسبابه عن التمام».
يعاني الظالم في شخصيته من نقائص كثيرة، واختلالات مدمرة تعصف في نفسيته نتيجة ضغوط عقد مركبة، مثل الشعور بالحرمان والنقص والدونية وعدم الثقة، التي يداريها بسلوك الظلم والاستبداد والتكبر على من يعتقد انه يذكره بعقده وضعفه وعجزه، ليرتد على من يستضعفهم بنقائصه عدواناً مستخدما القوة والنفوذ ظلماً.
أشكال الظلم في الكويت عديدة وهي آخذة بالتنامي بصور كثيرة مثل: اساءة المعاملة في العمل مع المرؤوسين والمراجعين، والتسلط بالكفالة والمماطلة عن دفع اجر الأجير، واستطالة المتنفذين على الضعفاء بالضرب والسباب، والتعدي بالباطل والكذب والافتراء والبهتان، والإيقاع بالشرفاء والانتقام من الخصوم خسة وغدرا، وكتمان الشهادة وطمس الحقائق، والتلاعب بالغيبة والنميمة، وخداع الغافل والسكوت عن قول الحق، واتهام الغير بما ليس به.
للأسف، الغالبية في الكويت اصبحت إما ظالمة وإما مظلومة وقلة هي التي ليست من هذه ولا تلك، وكلما تغلغل التخلف وانتشرت ثقافة الخلافات والنزاعات والتماهي مع المتسلطين، انحصر المجتمع بين ظالمين وأغلبية مظلومة مقهورة، فالظلم وباء يتفشى في بيئة الجهل وغول يقتات على معلف التخلف لأنه يزدهر أكثر ما يزدهر في المجتمع المتخلف.
أيها الظالم اتق الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة، واعلم انه سلوك خاطىء ومنحرف يعكس حقيقة صورتك النفسية والأخلاقية البشعة، فالظلم من أقبح الخصال التي لا تصدر إلا من نفس مريضة تداري ضعفها بالطغيان والتجني والتكبر، ناسية عظمة الله وشدة عقابه.
أيها المظلوم اشفق على من ظلمك إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة، فالظلم صفة الكافرين، «وَالْكَاف.رُونَ هُمُ الظَّال.مُونَ»، وهو سمة الجاحدين، «وَمَا يَجْحَدُ ب.آيَات.نَا إ.لاَ الظَّال.مُونَ»، فان تك مظلوما فهو خير لك من أن تكون ظالما، فلو كان الظالم يشعر بالأمان وثقة بالنفس لما احتاج إلى اعمال الظلم والتسلط والتجني لإبراز شخصيته عليك.
كلنا مسؤولون عن تفشي الظلم لأن الظالم لا يقوى بمفرده على ظلم الناس ما لم يستقو. بمتهاونين يمهدون له ذلك، ومتنفذين يعينونه على العدوان، ولولا وجود الراضين بالظلم، لما تشجع أي ظالم من افراغ نقائصه وعقده على ضحاياه، فلو علم الظالم انه سيتم ردعه، وأن المظلوم سيجد من يحميه لما تجرأ الظالم عليه. فلنحارب الظلم لأنه ينتزع البركات، ويبدد الخيرات، ويزيل المجتمعات حتى لا يقع علينا قوله تعالى «فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين».