محمد
عضو جديد
 | موضوع: الشيخ والراهب  7/1/2010, 3:36 am | |
| لعل التاريخ يكتنز قصصا واقعية كثيرة كان لها صدى مدو في أجوائها الزمكانية، ومن الانصاف القول إن بعض الحوادث القصصية التاريخية كان لها بالغ الأثر في تغيير الوجهة الفكرية لوجهاء القوم ومفكريهم في تلك الحقبة التاريخية، بل لا نبالغ لو قلنا إنها قد تكون صاغت لنا رؤى ونظريات جديدة في قوالب أكثر إنسانية، وأكثر تماهيا مع الثقافة القرآنية الالهية التي جعلت لكرامة بني آدم أصالة تفوق كل الاصالات، ومقصدا له محوريته في غايات الدعوة إلى التوحيد.
ومن هذه القصص ذات الطابع التغييري والتجديدي، بل الاصلاحي، قصة الراهب والشيخ التي وضعت اسسا مهمة في ثقافة الحوار والرأي الآخر والتعايش، وأحيت مبادئ مهمة في هذا الصدد وكيفية التعاطي المجتمعي معها.
فلقد كان الراهب مسيحي الديانة، له تأملاته العميقة في مسلكيات نبي الله عيسى (ع) الأخلاقية وتوصياته وكيفية اسقاطها على واقع المجتمع المحيط الذي كان يئن من الفرقة الطائفية. وكان هذا الراهب دائما ما يتعبد في الدير المسيحي، وذات يوم مرت قافلة من جيش المسلمين بجواره، وكانت تبحث عن بئر للماء، حيث نفد لديها الماء وقام شيخ القافلة بالنزول إلى الكنيسة، وهم بالدخول إليها فصاح به احد افراد جيشه المسلم بان هذا دير للمسيحيين، ولا يليق بنا الدخول إليه، فما كان من هذا القائد الفذ إلا ان مارس قناعته وفهمه العميق والإنساني للاسلام بالدخول إلى الكنيسة والصلاة فيها صلاة المسلمين، معتبرا إياها بيتا من بيوت الله وللمسلم ان يقيم فيها صلواته بحرية، فانبهر الراهب المسيحي من هذا التصرف الراقي، لانه كان يعيش حالة العزلة نتيجة الفرقة الطائفية التي اقصته كمسيحي عن مجتمع المسلمين. وبحركة صغيرة من قيادي عظيم نستطيع ان نفهم كل قيم التعايش والحوار واحترام الآخر.
ونحن ايضا لا ننسى كيف قام الامام موسى الصدر بالاعتكاف في الكنيسة في لبنان اعتراضا على اي فتنة داخلية طائفية في لبنان.
إن هذه الخطوات العملية جديرة بأن تؤسس لنظريات فكرية عميقة في التعايش واحترام الرأي الآخر، لأن القرآن دعا الجميع إلى كلمة سواء يكون معيارها التوحيد.
إن المحبة والتسامح والتعايش وتبادل وجهات النظر لهي سمات غالبة على النهج القرآني، أما التشدد والتنطع والتكفير، فهي من الأفكار الطارئة والعارضة على الفكر الإسلامي، وما نحتاجه اليوم هو إعادة صياغة وعملية في نشر ثقافة التسامح والتعايش، لأن معيار التقوى الذي مايز بين الناس موكول امره إلى الله وليس إلى الناس، بل الله امرنا ألا نزكي انفسنا لأنه اعلم بمن اتقى.
| |
|
