تعرف على أصدقائك حسب مستوى ناقلاتهم العصبية يتابع جونسون حديثه بمفاجأة جديدة ، فيقول إنه فى مرحلة ما ليست بعيدة ، قد نمتلك أدوات؛ اختبارات تشخيصية ، أو دراسات لرسم المخ ، تمكننا من رسم صور عصب-كيميائية لذواتنا ، على محاور عدة.
هذه الصورة ستكون أشبه ببطاقة تعريف للذات ، بداخل تلك البطاقة ، خاصتك ، سوف تحظى –مثلاً- بـ15 نقطة للبراعة ، 12 نقطة للكاريزما ، و 7 نقاط للحكمة ، فيما يسمى بـ"التنميط أو التعريف العصب-كيميائى Neurochemical profiling".
و يضيف؛ "التنميط العصب-كيميائى ليس مجنوناً بالكلية أو فاسداً كما يبدو. بالنسبة لشخص ما ، قد لا يتزوجك بسبب جيناتك ، مع أن خبرة الحياة ، و التعلم يغيران أيضاً من كيميائك. أنت قد تحظى بمستويات عالية من السيروتونين لأنك ولدت هكذا ، أو بسبب نشأتك. التنميط بالتأكيد سوف يكون تبسيطاً خالصاً لشخصيتك ، لكنه من المحتمل أن يكون أقل أهمية من ملف حياتك. أنت ستكون دائماً قادراً على معرفة الكثير حول الناس بالاختلاط بهم ، لفترات طويلة ، و لكن ، عندما لا تملك الوقت لذلك ، عندئذ؛ فإن معرفة شئ عن كيمياء عقولهم ، سيكون مفيداً جداً".
"إننا قد نصل إلى نقطة حيث نستطيع أن نتعرف إلى أصدقائنا الطيبين ، بناءً على وصف مختزلٍ لمتوسط مستويات ناقلاتهم العصبية "neurotransmitters ". (السيروتونين الدوبامين الاستروجين).
السؤال؛ هل سيتمكن ذلك من الوصف الكامل للشخص ، و القبض على جوهره؟ . بالتأكيد لا ، لكنه قد يكون أكثر إيضاحاً ، من وصف أحدهم –مثلاً- بأنه ستة أقدام ، 142 باوند ، و أنه الطفل الأول فى أسرته.
قد تستطيع بسهولة ، أن تتعرف على صديق ، بناءً على ذلك الوصف ، و المعلومات هذه لن تكون منفصلة عن فهمهم. فقط إنها لن تكون الطريقة الوحيدة. لكنها جزء من القصة." ***
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]قراءة الأفكار
مصطلح "Mind Wide Open" ، أو العقل المفتوح ، بدأ بأكثر التقنيات بساطة؛ "قراءة الأفكار" ، و هى التقنية التى نستشعر بها العديد من الأمور ، عبر مراقبة وجوه الناس.
Duchenne de Boulogne ، عالم الأعصاب الفرنسى ، كان أول من درس تعبيرات الوجه فى القرن التاسع عشر، Simon Baron-Cohen " سيمون بارون كوهين" عالم النفس البريطانى المعاصر ، درس ما يستخلصه الناس من تعابير الوجه .. و سواء كنا نلاحظ ذلك أم لا ، فإننا دائماً ما نفسر تلك الأشياء ، إذ لغة الوجه لا تكذب أبداً.
الناس مثلاً يستخدمون عضلات مختلفة عندما يبتسمون بصورة حقيقية ، غير تلك التى يستخدمونها عندما ينافقون .. عندما يكونون صادقين ، فإنهم يبتسمون بأعينهم ، مستخدمين العضلة المسماة "orbicularis oculi" ، "العضلة الدويرية العينية".
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
كتب "جونسون"؛ "الفحص الحديث للمخ ، أظهر أن مراكز السرور فى المخ تظهر نشاطاً ، يتزامن مع حركة تلك العضلة ، بينما لا يصدر مثل ذلك النشاط ، مع حركة الفم وحده" ... فى المرة القادمة ، عندما تريد أن تعرف ما إذا كان النادل يتمنى لك يوماً لطيفاً بحق ، تحقق من الحواف الخارجية للعين ، إذا لم تتراجع قليلاً ، فإنه ينافق.
نحو سعينا لفهم العقل ، فإننا نحاول أن نطارد نزوات العقل ، أفكاره ، تصرفاته .. إذا نحن نجحنا فى ذلك ، عندئذٍ؛ نكون قد حبسنا عقلنا كطائر فى قفص ، نستطيع أن ندرسه من كل الزوايا ، حتى ننتزع أسراره.***
سطوة العقل
العقل هو المسيطر الأول على ذات الإنسان جميعاً ، له الكلمة العليا فى كل شئ ، فأنت مرآة عقلك ، و انعكاسٌ دقيقٌ للطريقة التى يفكر بها عقلك.. كل شئ يحدث –أولاً- فى التفكير ، و قوة التفكير لها تأثيرٌ على إحساسك ، على سلوكك ، و نتائجك ، و بالتالى مصيرك.
فى كتابه "قوة التفكير" ، يقول الدكتور إبراهيم الفقى؛
"عندما يولد الطفل فهو يأتي للدنيا و كل ملفات عقله نقية ولا يوجد عنده أي إدراك لأي معنى ولا يدرك ما يجري حوله و يمر الوقت ويكبر الطفل و يتكون عنده إدراك بسيط لمعنى ما يحدث حوله و هنا يبدأ العقل في فتح ملفات ذهنية لهذا المعنى . لذلك لو شعر الإنسان مثلا بالخوف من شئ ما يفتح له لعقل ملفا للخوف وكلما واجه الشخص هذا الخوف سواء بالتفكير فيه أو بوجوده أمامه مباشرة تتصاعد الأحاسيس ويتراكم الخوف في ملف الخوف ."
يتراءى لك خاطرٌ بسيط ، تشاهد منظراً ما ، فتبدأ بالتفكير به ، تفكر و تفكر ، و تسقط فكرتك الوليدة بالخلف ، فى العقل اللاواعى ، و هناك؛ أرضٌ خصبة لكل ما يلقى إليها من أفكار ، و تنمو الفكرة و تكبر ، حتى تنضج ، و عندئذٍ؛ تبدأ فى التأثير على عقلك الواعى ، على أحاسيسك ، على سلوكك ، دون أن تشعر. لتقودك الفكرة البسيطة فى النهاية ، إلى نتيجةٍ كبيرةٍ ربما ، من نفس نوع الفكرة ، سلبية كانت أم إيجابية. الأمر بسيطٌ إذن ، و صعبٌ أيضاً ، و كما يقول الفيلسوف "بلاتو"؛ ((غير أفكارك تغير حياتك)). ***
الشئ الأخطر من ذلك كله؛ أنه إذا كان مصير المرء مرهوناً بعقله ، فكيف يفكر الإنسان بنفسه أولاً؟ هل يتقبلها كما هى؟ ، هل يشعر أن له قيمة فى المجتمع؟ ، هل يحب ذاته كما هى؟
يقول "ويليام جيمس"؛ ((يستطيع الإنسان أن يسافر بأفكاره إلى أي مكان في الكون بسرعة لم تخطر له على البال ,و تسبب له أحاسيس ليس لها لاوجود إلا في ذهنه)).
إن أحاسيس المرء كلها ، و كذا سلوكياته ، أشبه بعرائس متحركة ، مشدودة بخيوط ، كلها بيد العقل ، يحركها كيف يشاء ، الشعور بالألم نفسه ، لن يحدث إلا بعلم العقل ، و ما لم تعلم الدماغ بوجود مسببٍ للألم ، فهى لن تشعر به على الإطلاق ، و لست أقصد أن تصل إلى المخ إشارات ، تنبهه بوجود ألم ما ، ربما يفسر ذلك الألم المادى ، مع أن الألم الجسدى نفسه ، يمكن للإنسان ألا يشعر به على الإطلاق ، تحت ظروفٍ معينة ، المهم هو العقل ، أن تسيطر على العقل ، فقد سيطرت على كل شئ فى جسم الإنسان ، و نفسه أيضاً.
فى السجن ، جلس الرجل ينتظر الموت ، فقد حكم عليه بالإعدام ، أيامٌ معدودات ، و ينفذ فيه الحكم ، إنه ميت ، بعد يوم ، بعد يومين ، المهم أنه سيموت ... دخلوا عليه الزنزانة ، قالوا له؛ سوف نعطيك فرصةً للنجاة ، فرصة لتعيش ، بشرطٍ واحد ... و قبل أن يعرف الشرط ، وافق الرجل ، لقد كان موقناً بالموت ، لم يكن أمامه مفر ، و الآن؛ لديه الفرصة لينجو ... قالوا له؛ سنحدث فى باطن قدمك جرحاً غائراً ، و نعلقك فى زنزانتك حتى الصباح ، إن عشت؛ فأنت حر ، و إن مت ...
وافق الرجل ، و فى اليوم المحدد ، حضروا إليه ، أحدثوا بقدمه جرحاً سطحياً للغاية ، بحيث أحس الرجل بألم شديدٍ ... علقوه ، و تحت قدمه المجروحة ، وضعوا إناءاً ، تتساقط فيه دماؤه ، و أناروا الغرفة ... خلسةً؛ أوصلوا إلى الإناء أنبوباً صغيراً ، يصب به الماء ... و تركوه.
فى الصباح؛ فتحوا الغرفة على الرجل ، فوجدوه ميتاً !
من الذى قتل الرجل؟
لقد كان جرحاً سطحياً لا يقتل هزيل الجسد ، فما بالنا بإنسان مجرم فى الغالب ... لقد قتل الرجلَ عقله ، أو بمعنى أدق؛ الطريقة السلبية التى فكر بها عقله ، لقد ظل الرجل ، ينظر إلى الإناء ، طوال الليل ، تتساقط منه قطرات صغيرة من الدماء ، تختلط بالماء ، فيهيأ إليه أن الإناء يمتلأ بدمائه. فيفكر؛ كل هذه الدماء تتساقط منى؟ ... إننى ميتٌ لا محالة ... و قد حدث.
ماذا لو فكر بطريقةٍ أخرى؛ "لقد كنت ميتاً لا محالة ، أما الآن فلدى فرصة لأنجو ، الأمر صعب ٌلا شك، لكننى سأصمد".
إن جسامة الأحداث لا تقاس بسوى تقدير العقل لها ، بل إن الحدث يظل عدماً حتى يشعر به العقل ، و يضعه فى خانته ، العقل هو المسيطر ، و تبقى الأحداث كلها و المؤثرات ، أوراقاً بيد العقل ، يتلاعب بها ، و فى خضم تلاعبه هذا ، ربما تلاعب بنفسه هو ، و بصاحبه.