في عيد الأم.. رسالة إلى أبي
على روزنامة الاحتفالات، هناك يوم للأم ويوم للشجرة ويوم للحب ويوم للعمال وأيام لمناسبات كثيرة أخرى.. لكن ما من يوم للاحتفال بالأب..لماذا؟ أليس للأب فضل في وجودنا في هذه الحياة، حتى نتذكره بكلمة عرفان؟ ألا يستحق كرم الأب وعطاؤه أن نخصص له يوماً في العام نقدره ونحتفل به؟ ألا تستحق الأبوة التقدير؟
عذرا.. لكنني أرى أن الأب لا يقل قدرا وقيمة وفضلا عن الأم، بل لا ينقص دوره في الحياة الأسرية أهمية عن دورها، ولا اعتقد أن من المقبول ان نبخسه حقه.. لذلك أريد الاحتفال بالآباء عموماً، وبأبي خصيصاً، كيدا بمن نسي أو تناسى أهميتهم..
كيدا بالغياب.. وكيدا بالموت أريد ان احتفي بك يا أبي. فعلى الرغم من السنوات التي مضت على رحيلك، ما زلت أفتقدك واشتاق لحضنك الدافئ وقلبك الحنون. اشتاق لسماع صوتك ورؤية تقطيبة حاجبيك، أشتاق لأن أتفرج عليك وأنت تثور وتفور وتغلي، ثم تهدأ كطفل صغير. اشتاق لرائحة عطرك كل صباح أثناء استعدادك للذهاب إلى عملك وأنت تصفر بألحان فيروزية. أشتاق لخشونة شاربيك على خدي وانت تقبلني، ليدك تمسك ذقني كي تسرح شعري. أشتاق لرائحة تبغك وقهوتك، لمناقشاتك واستجواباتك، لجرائدك وكتبك التي تحمل رائحة أنفاسك.
أنا كبرت، أولادي كبروا، وكذلك العالم من حولي كبر يا أبي، ورغم ذلك ما زلت طفلتك وما زلت بحاجة اليك. ما زلت أسمع صدى ضحكتك كلما رددت على مسامعك «هذا أسعد يوم في حياتي» التي كانت تتكرر يوميا. ما زلت أرى نظرة إعجابك بمنطقي حتى حين تحاول جاهدا أن تخفيها. ما زلت أنتظرك كما كنت أنتظرك طفلة، لتجدني خلف الباب أتظاهر بالنوم حتى أتمتع بدفء حضنك وأنت تحملني وتضعني في سريري. غادرتنا مبكرا.. كيف غلبك المرض وأنت الشديد القوي الذي لا يضعف؟ كيف قهرك الموت وكنت أظنك لا تقهر؟ عشت لنا وبنا، ولم تترك خلفك إلا كومة حب بامتداد قامتك.. اعذروني، سأستلف من يوم عيد الأم لحظة، أقول فيها لكل الآباء كل عام وأنتم بخير، أطال الله في أعماركم وأبقاكم ذخرا وسندا وقلبا لعائلاتكم، وإلى أبي ومن رحلوا من الآباء.. نفتقدكم.. تغمدكم ربي برحمته وجمعنا بكم في نعيم جناته.