نصف زوجة
وفاء حبيب
أنا يا سيدتي زوجة شابة في السادسة والعشرين من عمري، أعيش مأساة بمعنى الكلمة وأموت في اليوم مئات المرات. قبل سبع سنوات، أي عندما كنت في الثامنة عشرة من عمري، وقعت في حب ابن عمي الذي يكبرني بأكثر من ثلاثين عاما.
في طفولتي كنت انظر إليه على انه بمنزلة والدي، وكنت أكن له كل احترام، بل كنت أخشاه وأخافه. لكن عندما تفتحت مشاعري ونضجت، تغيرت نظرتي له وبدأت أراه بمنظور الرجل الناضج الذي يحمل الحب والخبرة وكل معاني الحياة في قلبه وبين ضلوعه.
أحببته من دون أن أشعر، مع أنه أب لأربعة أولاد منهم من هم في مثل عمري، وزوج لسيدة على خلق رفيع وجميلة، بل أجمل مني بكثير. لكنني مع ذلك وقعت في حبه، ولم أستطع أن أمنع نفسي عنه. أصبحت أتذرع بحجج واهية لأذهب لزيارته في منزله، حتى بدأ يلاحظ مشاعري التي تتدفق وتكاد تقفز من عيني.
وذات مرة ذهبت كعادتي لكي ألقى عليه التحية في غرفة مكتبه، وجلست أمامه، ومن دون أن أشعر انهرت يا سيدتي، وبكيت، وصارحته بحبي الشديد له، وان مشاعري تجاهه جارفة. وفوجئت به يقول لي بهدوء وهو يغالب التأثر، بأنه يقدر لي عواطفي، لكنه لا يمكنه تقبلها لأنني في مثل عمر ابنته. وأنهى حديثه قائلاً انه رجل متزوج ويحب زوجته، وأنني سوف أتجاوز هذه الأزمة بقليل من الإرادة، وأنني سوف ألتقي في المستقبل شابا في مثل عمري يحبني وأحبه ونبني معاً حياة سعيدة.
عانيت كثيراً بعد تلك المقابلة، وانطويت على نفسي أشهرا عدة، ووالدتي المسكينة لا تعرف سبب حزني وبكائي وانطوائي. وفي هذه المرحلة الكئيبة من حياتي تقدم لخطبتي مهندس شاب يكبرني بسنوات قليلة. ورغم شعوري بالانقباض عندما رأيته لأول مرة فإنني وافقت، كأنني بذلك اهرب من قصة حبي الفاشلة مع ابن عمي، وكأنني بذلك أريد أن أقول له انني شفيت من حبه، وأنني مرغوبة، وان هناك شاباً وسيماً يشغل مركزا اجتماعيا وعمليا وماديا مميزا يريد أن يتزوجني.
وتم الزواج سريعاً، وفي ليلة زفافنا بدأ أول فصول مأساتي. فقد فشل زوجي معي في تلك الليلة والليالي التي تلتها، لمدة تزيد على شهر هي عمر شهر عسلنا الذي قضيناه في بلد عربي شقيق.
رجاني زوجي ألا اخبر أحداً من أهله وأهلي بحالته التي عزاها إلى الحالة النفسية أو الابتعاد عن الوطن، واكد لي ان كل شيء سيعود إلى طبيعته فور العودة إلى أرض الوطن.
صدقته وأخفيت الأمر عن والدتي وشقيقتي، لكنني فوجئت به ذات يوم يطلب مني الذهاب معه إلى طبيبة نساء في البلد العربي الذي قضينا فيه شهر العسل لتجري لي عملية لفض بكارتي، ولحسن نيتي وعدم خبرتي بالدنيا وافقته على هذا.
لكن حتى بعد الجراحة تكرر الفشل مع زوجي، والمشكلة أنه بات أكثر عصبية وتحول إلى وحش كاسر، وصار يثور لأتفه الأسباب، ويرميني بتهم باطلة، وتحولت غيرته إلى شك مرضي. فللأسف يا سيدتي كنت في لحظة صدق وغباء مني قد صارحته بقصة حبي لابن عمي، مع تأكيدي له أن القصة لم يكن بها أبداً ما يشين أو يمس الشرف، إلا أنه بدأ كلما هممت بالذهاب إلى تجمع عائلي أو مناسبة عائلية يتهمني بأنني لم أذكر له القصة على حقيقتها، وانه لا بد كان بيني وبين ابن عمي علاقة آثمة.
كنت أذكره دائماً بأنني تزوجته عذراء، فيهدأ قليلاً ثم يعاود شكوكه واتهاماته لي، حتى أنه بدأ بالاعتداء عليّ بالضرب المبرح، فتركت له منزل الزوجية وذهبت للإقامة لدى أسرتي. وهناك قابلت ابن عمي وشكوت له ظروفي مع زوجي، فوعدني بمساعدتي من خلال محام صديق له يستطيع انتزاع الطلاق بسهولة، لأن زوجي غير قادر على ممارسة واجباته الزوجية. وبالفعل استطاع المحامي أن يقنع زوجي بان يطلقني في هدوء بدلاً من الفضائح في المحاكم وتلويث سمعته عند مناقشة أسباب طلب الطلاق، فاستجاب لتلميحات المحامي وطلقني.
عندما أصبحت حرة ذهبت إلى ابن عمي لأشكره على وقوفه بجانبي، لكن عواطفي يا سيدتي بدأت تخرج من قبوها من جديد وتطفو على السطح. تعددت لقاءاتنا، وفوجئت به ذات يوم يطلب مني الزواج، لكن شرط أن يكون هذا الزواج في الخفاء من دون أن تعرف أسرتانا حفاظاً على مشاعر زوجته وأولاده.
إنني في حيرة يا سيدتي.. ماذا أفعل؟ حلم حياتي الذي راودني سنوات طويلة يكاد يتحقق بزواجي بابن عمي، لكن سرية الزواج تقلقني وتخيفني، بماذا تنصحينني يا سيدتي؟
حل المشكلة
ماذا تفعلين بنفسك يا ابنتي وأنت في هذا العمر الجميل؟ تقولين انك تحبين هذا الرجل المتزوج الذي يكبرك بأكثر من ثلاثين عاماً، لكن هل فكرت في حال وافقت على الزواج به كيف سيكون شعورك عندما يتحول ذلك الرجل بعد سنوات إلى شيخ هرم في الوقت الذي تكونين فيه في قمة شبابك؟
من ناحية أخرى كيف يمكن أن يهدأ لك بال أو تعرفي السعادة وأنت نصف زوجة يلتقي بك زوجك سراً كلما استطاع أن يخدع زوجته وأم أولاده ويأتي لزيارتك؟ وكيف تفكرين وأنت الفتاة المتعلمة في أن تبني سعادتك، أو ما تظنينه سعادة، على أنقاض حياة زوجة مستقرة وأبناء.. ولو علمت الزوجة بسر زواجك بزوجها وكان عليه أن يختار بينك وبينها، ألا تعتقدين انه سوف يختار زوجته التي شاركته حياته وأنجبت له الأولاد وقضى معها تاريخا طويلا.
لقد مررت بتجربة زواج فاشل يا ابنتي، فلا تتعجلي في قرار زواجك الثاني واختاري زوجاً كفؤا لك ولظروفك ولشبابك، حتى لا تتعرضي للفشل مرة أخرى، فالفشل الثاني عادة ما يكون أكثر مرارة وأشد ألماً.
انتظري يا ابنتي لعل القدر يرسل لك زوجاً مناسباً تحبينه ولا تكوني نصف زوجة له.
نقلا عن القبس الكويتيه