أصبحنا وإياكم وجهين لعملة واحدة!
كتب علي أحمد البغلي :
نُتهم دائماً بإبداء الإعجاب بالغرب ومنجزاته وقيمه المتقدمة.. ولا يخفي البعض منا إعجابه بمنجزات الشعب اليهودي في إسرائيل في جميع المجالات.. ولكن يظهر ان كلنا في الهم شرق.. فإسرائيل التي تم إنشاؤها على أساس اضطهاد ومظلومية اليهود في مختلف أنحاء العالم، وبالأخص في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية، بدل ان تتبنى شرعات ومبادئ حقوق الإنسان والعدل والإنصاف، نراها أخيراً مثل باقي دول المنطقة نحو الاستبداد والبطش والعداء لمبادئ حقوق الإنسان والحقائق المريرة إذا ما خالفت مصالحها.
وحتى لا نلقي الكلام على عواهنه سنسرد لكم معاناة أحد دعاة وبارزي حقوق الإنسان اليهود والذي يتعرض لظلم واضطهاد حقيقيين لمجرد انه لم يجامل أو يكذب لمصلحة بني جلدته من اليهود.. والشخص المعني هو القاضي الفذ اليهودي الجنوب افريقي ريتشارد غولدستون (71 عاماً)، وهو القاضي الأكثر شهرة في بلده (جنوب افريقيا)، الذي تقاعد عن العمل حين خدم في المحكمة العليا في جنوب افريقيا عام 2003 بعد نهاية سياسة التمييز العنصري فيها، وخدم ككبير المدعين في محاكمات الأمم المتحدة بشأن جرائم الحرب في رواندا ويوغسلافيا السابقة، حتى ساقه سوء حظه ــ وحسن حظه الحقيقة ــ لاختياره بداية عام 2009 من قبل لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في جنيف لقيادة التحقيقات حول احتمال وقوع انتهاكات للقانون الدولي أثناء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، التي استمرت 3 أسابيع في نهاية عام 2008 حتى بداية عام 2009، وخلص تقرير غولدستون إلى انه وفقاً للأدلة المتاحة ارتكبت إسرائيل وحماس أفعالاً ترقى إلى جرائم حرب، وركزت النتائج بصورة رئيسية على الإسرائيليين، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد اننا نواجه 3 تحديات استراتيجية رئيسية، وهي: البرنامج النووي الإسرائيلي، والصواريخ الموجهة للمدنيين لدينا، وتقرير غولدستون!!
تقرير غولدستون اثار نقمة اليهود على ابن جلدتهم، واعتبره البعض ــ في بلده جنوب أفريقيا ــ بأنه زنديق، وجرى اتهامه بالتفكير الخاطئ، وبأنه عميل، كما اتهم بأنه يمثل النوع الأسوأ من اليهودي المعادي للسامية والكاره للذات. وقد ترجم كل هذا في تهديدات طالت هذا القاضي النزيه حتى في حياته الخاصة! فقد سرت أخبار شبه مؤكدة بأن متظاهرين سيمنعون غولدستون بصفته جدا لحفيده البالغ 13 عاما والمقرر اقامة حفل «بارميتسفا» له لبلوغه مرحلة البلوغ، وهو سن التكليف بأداء فرائض الدين اليهودي الشهر المقبل في احد الكنيسات اليهودية في جوهانسبرغ! انتهى.
غولدستون هوجم في إسرائيل أيضا هجوما مريرا هو ومن أيّد تقريره المتوازن! ففي إسرائيل أطلقت تنظيمات يمينية متطرفة حملة إعلامية محلية وعالمية هدفها محاكمة، ليس غولدستون وحسب، بل كل تنظيمات اليسار وحقوق الإنسان الإسرائيلية التي تُتهم بمساعدة القاضي غولدستون في إعداد تقريره المثير للجدل. ونحن نقول لليهود والإسرائيليين كنا «غابطينكم بعقل»، أي اننا كنا نراهن على عقلانيتكم وجنوحكم لمبادئ حقوق الإنسان ونبذ الظلم والتعسف.. لنرى أننا كعرب ومسلمين وأنتم كيهود وإسرائيليين أصبحنا وجهين لعملة واحدة، وعلى القول العراقي «نفس القندره»!!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..