مجتمعات على حافة الانهيار
إننا أمام ظاهرة معقدة ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية ونفسية، تتعلق بوجه عام بتفشي «العنف» في المجتمع العربي.. في ملاعب الكرة، والمدارس، والأماكن العامة، والبيوت. وما لم يحدث تحليل ثقافي معمق لأسباب العنف ودوافعه، أمنياً وسياسياً واجتماعياً ونفسياً واقتصادياً، فإن الظاهرة ستتفاقم وتتحول إلى حالة مجنونة ترتكب ضد أبرياء بلا سبب، وتنفجر في أي لحظة.
ــــ ثمة فجوة واضحة تكبر يوماً بعد يوم، ما بين أكثرية تعيش على أقل من دولار في اليوم، وأقلية تجني الملايين في ساعة زمن. وكلما اتسعت الفجوة تحولت إلى مستنقع عالمي لكل أشكال وأنواع الجريمة. بالتالي تظل كل حكومة ملزمة أمام مواطنيها بالحد من تلك الفجوة وتوفير الشروط الإنسانية للحياة الكريمة، مثل زيادة فرص العمل، والحد من البطالة، والتأمين الصحي والاجتماعي.
ــــ قيام وسائل الإعلام والمدارس ودور العبادة بدور أكثر فاعلية في تشكيل مرجعية مجتمعية ترسخ القيم الإنسانية والروحية لمقاومة النزعات العنصرية والاستهلاكية، التي جعلت الإنسان مجرد آلة لكسب وإنفاق المال، وأحدثت خللاً في ميزان القيم لديه، وعداءً مزمناً مع الآخر.
ــــ إن طبيعة العصر الذي نعيش فيه جعلت الأمراض النفسية منتشرة بصورة تفوق كل توقعاتنا، وبالتالي تصبح الحاجة ماسة إلى التأهيل النفسي والتأكد من صلاحية أي شخص نفسيا قبل أن يتولى أي عمل أو مهمة، مثل قدرة الابن على رعاية أبويه العجوزين أو تعليم التلاميذ.. وفي المقابل، التأكد أيضاً من الصلاحية النفسية للأبوين على رعاية أولادهما في الصغر. فالكثير من المشاكل النفسية تظل عالقة بلا حل أو علاج إلى أن تتفاقم وتتحول إلى مآسٍ.
ــــ وكما تهتم الحكومات بإنشاء الطرق والجسور، عليها أيضا أن تبذل اهتماماً أكثر فاعلية بالأمن الاجتماعي والنفسي، أي توفير شبكة من التشريعات ومراكز التأهيل والمؤسسات النفسية والاجتماعية للتعامل مع هذا الكم الهائل من الخلافات العائلية، والأمراض النفسية، بدلاً من سياسة التكتم والتجاهل والاكتفاء برد الفعل الانفعالي اللحظي.
فما يحدث الآن وراء الأبواب المغلقة وفي المدارس والشوارع والأماكن العامة، ينطوي على مؤشرات خطيرة تتعلق بانهيار وتحلل النسيج الاجتماعي كله.. إن انهيار الأسر بهذا الشكل الوحشي العنيف، ليس أكثر من مقدمة كاشفة لمستقبل المجتمعات العربية كلها.