لماذا يكره الطالب جامعته؟
لماذا يشعر طالب الجامعة بشيء من الجفاء تجاه جامعته وأنا الذي ذرعت في الأعوام الأخيرة جل جامعاتنا ولاحظت المقاربة في شيء: فصول دراسية في النهار تكتظ بالآلاف ثم سور مقبرة في المساء لا شيء فيها إلا ما كان لأطرافها من حراسات أمنية؟
أكملت دراستي الجامعية، الدنيا والعليا منها، طالبا متنقلا بين أربع جامعات ولكل واحدة فيها بصمة التكوين الخاصة بما فيها ما كان لأيامنا في جامعة الملك سعود قبل أن تتدخل كثير من محركات التحول الاجتماعي لتقتل في الطلاب روح الانتماء إلى فترة الحياة الجامعية. فشلت جامعاتنا بكل امتياز في أن تطرح لهذه الآلاف نشاطا لا منهجيا خلاقا ومبدعا ولهذا أصبحت هذه الجامعات مجرد إدارات حكومية روتينية تفتح أبوابها في وقت الدوام الرسمي وتقفلها نهاية الدوام. أصبح طالبها وخريجها مجرد حامل كتب ولكن بلا ذكريات. تهرب الجامعات في نشاطها اللامنهجي بطالبها من محاضرة مجدولة إلى أخرى ثانية خارج الجدول. يحيله هذا النشاط اللامنهجي إلى مجرد (محضر استماع) فمن هو الشاب العشريني الذي يستطيع بعيد أربع محاضرات دراسية في اليوم الواحد أن يعود في المساء لمحاضرة خامسة؟
وحتى في هذه الخيارات الرتيبة المملة تصبح المحاضرات اللامنهجية مجرد (عقود تعادلات) تتنقل فيها ذات الأسماء بذات العناوين من جامعة إلى أخرى ولست هنا في صدد تفعيل هذه الظاهرة لأن المكان لا يتسع للبوح وإن اتسع فإن المقام لا يسمح؟ أختم بقصة الذكريات من حفل التخريج السنوي لجامعة كلورادو ذات يوم أبيض مثلج: فعلى حين تقبل وجوه الطلاب باسمة سعيدة إلى صالة الوداع الأخير، تبدو الصورة الأخرى لحظة انفضاض السامر عن تلك الدموع المسكوبة على الأجفان الباردة، حزنا على وداع مرحلة وشوقا إلى سيل الذكريات لفترة من حياة لا تعود وأصدقاء ستتفرق بهم سبل الحياة. كانت الجامعة خيمة حياة ونشاط وأمل. هنا، نسحب طلابنا استجداءً لحفلة الوداع الأخيرة، وحتى في يوم الطالب الأخير يبدو المشهد جنائزيا تتحول فيه الحفلة إلى كلمات، وتستحيل الكلمات المعلبة إلى محاضرة وكأنما الجامعة تلملم من النصائح ما فات عليها أن تسديه في سنوات أربع لأن النتيجة النهائية تبرهن السائد: لم يحضر أحد. يوم الطالب الأخير في جامعته لا يعكس إلا رهبة يومه الأول ولكن في كل جامعاتنا لم يستمع لهؤلاء أحد.علي سعد الموسى